العدوان على بنت عدنان
الحمد للّه تعالى إلاه الأوّلين والآخرين،وربّ كلّ شيء ومليكه في السّالفين والخالفين،والصّلاة والسّلام على سيّد العرب والعجم كلّهم أجمعين،أفصح مَن نطق بالضّاد،وأبلغ مَن جرى لسانه بالعربيّة من وُلْد يعرب بن قحطان،صلّى اللّه عليه ما هبّت النّسائم وما * ناحت على الأيك الحمائم
وعلى آله الطّيبين الأخيار،وصحابته الكرام الأبرار،وعلى التّابعين لهم بإحسان ما جنّ ليلٌ،وأشرقت شمس بضياء النّهار.
وبعدُ،فإنّ اللّغة العربيّة خير ما جهدت النّفوس لتحصيلها،والظفر بها،بعد كتاب اللّه تعالى،وحديث رسوله .ولقد درج العلماء في القديم والحديث على الإشادة بها في الدّفاتر والمحافل،وفي حلقات الدّروس،وأعواد المنابر،وصنّفوا في ذلك ما لا يكاد يُحصى من الأسفار.ولا غرو في ذلك فهي لسان الوحي المقدّس،اصطفاها المولى جلّ وعلا لأفضل رسله،وحلّى بها خاتمة رسالاته،قال عزَّ مِن قائل:(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ،وقال:(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ،وقال:(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) .ومع ذلك فها هو سيل العُجْمَة قد فشا في النّاس فُشُوَّ النّار في الهشيم،وداء اللَّحْن واللُّكْنة قد سرى في الأمّة سَرَيان الدَّم في العروق؛حتّى عقد ألسن خاصّة النّاس بَلْه عامّتهم،واستوطن حواضرهم فكيف ببواديهم؛وما ذلك إلاّ نتيجة الزّهد في تعلُّم العربيّة لغة وأدبا،واللّهث وراء لغة الأعاجم من غير تبصُّر،ولا تفكُّر،فكأنِّي بهم قد تواصَوْا بمنابذة سنن العرب،ومجاراة رطانه العجم.نعم،لقد تهاون الكثيرون في تعلُّمها،بل تعلُّم الحدّ الأدنى من رسومها وقواعدها،وآخرون لا يبالون بما يقعون فيه من أخطاء وأغلاط،ويستروحون إلى دعوى الاهتمام بالمعنى من حيث تبليغُه،فإن وصل إلى المتلقِّي كان ذلك هو الغرض الذي سيق لأجله الكلام ؛ومن ثمَّ استجازوا لأنفسهم،وغيرهم التّساهل - إلى حدّ التّفريط - بشأن اللّغة العربية من حيث التّحدُّثُ بها؛حتّى أوصلهم ذلك إلى تبنِّي اللّهجة العامِّية كوسيلة للتّواصل؛ثمّ سرى ذلك بين الطّلبة والأساتذة على مقاعد الدّراسة وفي مدرّجات الجامعة،وبلغ السيل الزُّبى حين استشرى هذا الدّاء إلى عقول بعض المثقّفين فانعكس جليًّا في كتاباتهم على صفحات الجرائد،وقصص الأطفال والرّوايات وغيرها ...،هذه الرّوايات الّتي أُثقلت بها رفوف المكتبات من غير أن تعرف طريقها إلى القرّاء لأسباب عدّة من أهمّها أنّها كُتبت بلغة فجّة،لم يستسغها كلّ مَن يَمُتُّ إلى العربية بصِلة.فإذا كان المعنى المراد تبليغه قد وصل إلى المتلقِّي عن طريق جارحة اللّسان أو ما يخطُّه القلم من البيان والهذيان؛لم يعبؤوا بعده كيف كان ذلك الاتّصال،أبلغة الوحيين تمّ،أم بلغة السَّفِلَة والرَّعاع حصل.إنّهم يعتبرون العربية وسيلة كسائر وسائل الخطاب،ويُسوُّون بينها وبين سائر لهجات النّاس التي وُلدت وترعرعت في الأزقّة والطرقات!،وهم لما يترتّب عن هذا المذهب في دَرْك ما يُحدق بهم وبهُوِيَّتهم وثقافتم ودينهم من أخطار وويلات في غفلة ساهون!.فمن هذه الويلات،وتلك الأخطار أنّنا جميعا أصبحنا نرى ونسمع بخطباء على أعواد المنابر نصبوا أنفسهم لوعظ النّاس وإرشادهم قد درجوا على اللّحن،حتّى ألفت الأسماع أغلاطهم،وزلاّت ألسنتهم،واستفحل الأمر،وعظم الخطب حين أضحى الغلط ديدنهم،والخطأ شِعارهم الّذي يُعرفون به،وهم مع ذلك لا تكاد ترى الواحد منهم يسعى لإصلاح ما انخرق من لسانه كما يسعى لرتق لباسه،وطلب معاشه ؟!.فحريٌّ بك - أيُّها اللّبيب - أن تعرف للعربيّة خطرها لتقف بعدُ على شرفها وعظيم قدرها؛وهذا باعتبار تعلُّقها بأشرف موجود وهو شريعة ربّ العالمين،الّتي نزل بها الأمين جبريل - عليه السّلام - على سيّد الخلق بلسان عربيّ مبين؛فالجهل بهذا اللّسان ذريعة للجهل بهذه الشّريعة،وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى.أقول:ليت الأمر انحصر في عامّة النّاس وأشباههم من أنصاف المثقّفين،إذًا لهان الأمر،ولكنّه تعدّى شرّه،وتطاير شرره ليصيب المثقّفين وطلبة العلم،بل وبعض الخاصّة من أعلام العصر،ومن يُشار إليهم بالبنان.ولا عجب في ذلك فقد حصل هذا من قديم،ولدرإ شرّه صنّف له الحريري القاسم بن عليّ كتابه (دُرَّة الغوّاص في أوهام الخواص).قال ابن جِنِّي في الخصائص (2/ 9):(واستمرَّ فساد هذا الشّأن مشهورا ظاهرا،فينبغي أن يُستوحَشَ من الأخذ عن كل أحد إلاّ أن تقوى لغتُه وتَشِيع فصاحتُه.وقد قال الفّراء في بعض كلامه:إلاّ أن تسمع شيئا من بدويّ فصيح فتقولُه).وفي صبح الأعشى قال القلقشندي (1 /208):(قال أحمد بن يحيى:كان هذا مقدار أهل العلم،وبحسبه كانت الرّغبة في طلبه،والحذر من الزّلل،قال صاحب الرّيحان والرّيعان:فكيف لو أبصر بعض كتّاب زماننا هذا.قلت:قد قال ذلك في زمانه هو،وفي النّاس بعض الرَّمَق،والعلم ظاهر،وأهله مكرمون،وإلاّ فلو عمّر إلى زماننا نحن لقال:" تلك أمّة قد خلت ").قلت:فكيف لو امتدّت أنفاسه،وانفتحت عيناه على زماننا،إذا لما قال: " تلك أمّة قد خلت ".(واعلم أنّ اللَّحْن قد فشا في النّاس،والألسنة قد تغيّرت حتّى صار التّكلُّم بالإعراب عَيْبًا،والنُّطق بالكلام الفصيح عِيًّا) .حقًّا،إنّها آفة العصر،فُشُوّ اللّحن،وتمادى الأمر من غير نكير حين ظهر من المذاهب الأدبيّة الحديثة الّتي تدعو إلى التّحرُّر من قيود اللّغة - زعموا -،ليتركَ اللّسانُ يجري على سجيّته في التّعبير عمّا يختلج في النّفس،ويضمره القلب من المعاني،فالعبرة عندهم بالغاية الّتي لأجلها كان الكلام،وهي إيصال المعنى إلى المخاطَب،ولا عبرة بعد ذلك بالوسيلة إلاّ إذا كانت مؤدّيّة إلى الغاية الّتي لأجلها سيق الخطاب،والكتاب.(قلت:والّذي يقتضيه حال الزّمان،والجري على منهاج النّاس أن يُحافَظَ على الإعراب في القرآن الكريم،والأحاديث النّبويّة،وفي الشّعر،والكلام المسجوع،وما يُدَوَّن من الكلام،ويُكتَبُ من المراسلات ونحوها،ويُغتَفَرُ اللّحنُ في الكلام الشّائع بين النّاس،الدّائر على ألسنتهم ممّا يَتداولونَهُ بينهم،ويَتحاورون به في مخاطَباتِهم،وعلى ذلك جرت سنّة النّاس في الكلام مذ فسدتِ الألسنة،وتغيّرت اللُّغة) .ولا بأس بتذكير مَن غفل عن معرفة ما يُعتبر من لغة العرب؛كيما نحفظ للعربيّة رونقها،وندفع عنها كلّ ما من شأنه أن يُشوِّه جمالها،ويسلب عنها أصالتها.فيقال:إنّ اللّغة العربية لا تعتبر إلاّ ب:1- الرّواية عن فصحاء العرب في زمن الاعتبار،أعني:قبل فُشُوِّ اللّحن،ففي البوادي كان ذلك في آخر المئة الرّابعة (نهاية القرن الرّابع من الهجرة)،وفي الحواضر كان في آخر المئة الثانية (نهاية القرن الثاني من الهجرة).2- بالنّقل عن العلماء العدول من حفظة اللّغة،وروّاة الأشعار.وعليه فاللّغة الفصيحة يعتبر فيها صحّة الوَضْع،أو القياس على النّظائر ممّا ثبت بالوَضْع عن فصحاء العرب،وعدول نقلة اللّغة.وقد قيل قديما:إذا رويت فالصِّحَّة،وإذا نقلت فالأمانة،قال الشّاعر : ونُصّّ الحديث إلى أهله * فإنّ الأمانة في نصِّه
إنّني - وكلّ غيور - أبغي للغتنا العربية أن تستعيد مكانتها في أمّتنا أوّلا،وبين سائر أمم الأرض ثانيا؛لتتربّع على عرش الشّموخ والعِزّة،كما كانت في سالف الزّمان،وغابر الأيّام،فلا تدور دواليب العلوم إلاّ بمفرداتها،ولا يجري على النّاس جميعا إلاّ ضادها.
وأبغي لها النّقاء والصّفاء والجلاء لأنّها - للّه درُّها - مرآة الوحي المقدّس،إذ لا سبيل إليه إلاّ من خلالها؛فهي بوّابة الشّريعة،فمن رام الدخول من غيرها من لغات الأرض ضلّ سبيله،وأخطأ عن قصد طريقه.قال في صبح الأعشى 1/205):(قال صاحب الرّيحان والرّيعان:ولم يزل الخلفاء الرّاشدون بعد النّبيّ [] يحثّون على تعلُّم العربيّة وحفظها والرِّعاية لمعانيها؛إذ هي من الدّين بالمكان المعلوم،والمحلِّ المخصوص).
وأبغي (أن نطهِّر لغتنا العربيّة،لغة القرآن الكريم،والحديث الشّريف،ولسان السّلف الصّالح،من نجس الأخطاء،لا أقول اللّغويّة - فاللّغة منها براء،ولا يجب أن ننسب هذه الأخطاء إليها؛وإنّما يجب أن تُنسَبَ إلى هؤلاء الجاهلين،فنقول:أخطاء الجاهلين أو جاهلي اللّغة ...) .
ومن شواهد هذه الأخطاء،وأمثلة تلك الأغلاط ما انطوتْ عليه صحائف أهل العلم،ودفاتر أرباب الأدب والشّعر من أخبار وقصص تشهد بمجموعها على أصحابها بالجهل بأبسط قواعد هذه اللّغة الشّريفة؛ممّا صيّرهم على تعاقب الأجيال،واختلاف الحَدَثان سمر المجّان وضحكة النّدماء والخِلاّن.
فإليك -أيُّها الحَصيف - أسوق بعض هذه الأخبار؛علّك تُجمُّ بها نفسك،وتتعلّم منها درسك؛فاللّبيب من اتّعظ بغيره،كما الشّقيُّ مَن كان عبرة لغيره.
ففي القرآن الكريم:
* (قدِم أعرابيّ في زمان عمر فقال:مَن يُقرئني ممّا أنزل الله على محمد .قال:فأقرأه رجلٌ براءة،فقال " أَنَّ اللَهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ " بالجرِّ،فقال الأعرابيّ:أَوَقَدْ بَريءَ اللهُ من رسولِه ؟!.إنْ يكنِ اللهُ بَرِيءَ مِن رسولِه فأنا أبرأُ منه.فبلغَ عمرَ مقالةُ الأعرابيّ؛فدعاه فقال:يا أعرابيّ أتبرأُ من رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) ؟.قال:يا أمير المؤمنين إنِّي قدمتُ المدينة ولا علمَ لي بالقرآنِ؛فسألتُ مَن يُقرئني،فأقرأني هذا سورةَ براءة.فقال:" أنّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ ".فقلتُ:أَوَقَدْ بَرِيءَ اللهُ مِن رسولِه ؟!.إنْ يكنِ اللهُ بَرِيءَ مِنْ رسولِه؛فأنا أبرأُ منه.فقال عمر:ليس هكذا يا أعرابيّ.قال:فكيف هي يا أمير المؤمنين ؟.فقال " أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ".فقال الأعرابيّ:وأنا واللهِ أبرأُ ممّا بريءَ اللهُ ورسولُه منه.فأمرَ عمرُ بن الخطّاب ألاّ يُقريءَ القرآنَ إلاّ عالمٌ باللّغة،وأمرَ أبا الأسود فوضع النّحو).
* وقرأ آخر :(إِنَّمَا يَخْشَى اللهُ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءَ) برفع الأوّل،ونصب الثاني؛فوقع في الكفر بنقل فتحة إلى ضمّة،وضمّة إلى فتحة.فقيل له:يا هذا،إنّ الله تعالى لا يخشى أحدا!.فتنبَّهَ لذلك،وتفطّن له .
وفي السنّة النّبويّة:
* و رَوَوْا أنّ النّبيَّ سمع رجلاً يَلحنُ في كلامه؛فقال:(أرشدوا أخاكم فإنّه قد ضَلَّ ...).فسمّى اللَّحْنَ ضلالاً .
* وقال عليه السّلام :(رحِمَ اللّهُ اِمرَأً أصلحَ من لسانه).قال ابن جِنِّي:وذلك لِمَا عَلِمَهُ ممّا يعقب الجهل لذلك من ضدّ السّداد،وزيغ الاعتقاد.
وفي آثار الصّحابة:
* وفيه قصّة أبي الأسود الدّؤلي مع ابنته،قال ابن عساكر :(ويقال:إنّ ابنتَه قالت له يوما:يا أبتِ،ما أحسنُ السّماءِ.[فقال لها:] أي بنية نجومُها.قالت:إنِّي لم أرد أيَّ شيءٍ منها أحسن،إنّما تعجّبتُ من حسنها.قال:إذًا تقولي:ما أحسنَ السّماءَ؛فحينئذ وضع كتابًا).
* (ويُقال إنّ ابنتَه قالت له:يا أبتِ ما أشدُّ الحرِّ (في يوم شديد الحرّ)،فقال لها:إذا كانت الصَّقْعاءُ مِن فَوقِكِ،والرَّمْضاءُ من تحتِكِ.فقالت:إنّما أريد أنّ الحرَّ شديدٌ.قال:فقولي:ما أشدَّ الحرَّ) .
* (وكتب الحصينُ بنُ الحرِّ كتابًا إلى عمرَ فلَحَنَ في حرفٍ فيه؛فكتبَ إليه عمرُ أنْ قَنِّعْ كاتِبَك سَوْطًا) .
* ومرَّ عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه بقومٍ يرمون نَبْلاً؛فعابَ عليهم؛فقالوا:يا أمير المؤمنين إنّا قومٌ متعلِّمين.فقال:لَحْنُكم أشدُّ عليَّ مِن سُوءِ رميكم،سمعتُ رسول الله [] يقول:رحمَ اللهُ امرأً أصلحَ مِن لسانهِ .
* وكان عبدُ اللّه بنُ عمر رضي اللّه عنهما يضربُ بنيه على اللّحْن،ولا يضربهم على الخطأ .
* وعن نافع قال:كان ابنُ عمر يضرب ولدَه على اللّحن .
* ومرّ عمرُ بنُ الخطّاب [] برجلين يرميان،فقال أحدُهما للآخر:أَسَبْتَ؛فقال عمر:سوءُ اللّحن أشدُّ مِن سُوء الرَّمي .
* وأخرج ابن أبي شيبة بسنده إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب أنّه قال:تعلّموا اللّحنَ والفرائض؛فإنّه من دينكم.
قال يزيد بن هارون:اللَّحْنُ هو اللُّغة.
قصص الخلفاء والأمراء:
* قال الوليد لرجل:مَن خَتَنَك ؟.قال:الحَجَّام !.فضحك القومُ،وخجلَ الوليد؛وإنّما أراد أن يقول:مَنْ خَتَنُكَ.
* وروى العتبي عن أبيه قال:استأذنَ رجلٌ من جند الشّام،له فيهم قدر على عبد الملك بن مروان وهو يلعب بالشِّطرنج، فقال:يا غلام،غَطِّها هذا شيخ له جلالة.ثمّ أذِنَ له.فلمّا كلّمه وجده يَلْحَنُ فقال:يا غلام،اكشِفْها فليس لِلاحِنٍ حُرْمَة.
* ودخل على عبد العزيز بن مروان رجلٌ يشكو صِهْرًا له؛فقال:إنّ خَتَنِي فعل بي كذا وكذا.فقال له عبد العزيز:مَن خَتَنَكَ ؟.فقال له:خَتَنَنِي الخَتّان الذي يَخْتِنُ النّاس.فقال عبد العزيز لكاتبه:وَيْحَكَ بما أجابني ؟.فقال له:أيُّها الأمير إنّك لَحَنْتَ وهو لا يعرف اللَّحْنَ،كان ينبغي أن تقولَ له:ومَن خَتَنُكَ.فقال عبد العزيز:أراني أتكلّم بكلام لا يعرفه العرب،لا شاهدت النّاس حتّى أعرِفَ اللّحن.قال:فأقام في البيت جمعة لا يظهر،ومعه مَن يُعلِّمُه العربيّة.قال فصلّى بالنّاس الجمعة وهو من أفصح النّاس.
* وقال بعضُهم :ارتفعَ الى زيادٍ ابن أبيه رجلٌ وأخوه في ميراث،فقال:إنّ أبونا مات،وإنّ أخينا وثبَ على مال أبانا فأكله. فقال زياد:الّذي أضعتَ مِن لسانِك أضرُّ عليك ممّا أضاعه أخوك مِن مالِك.وأمّا القاضي فقال:فلا رَحِمَ اللهُ أباك،ولا تنحَّ عظم أخيك.قُمْ في لعنة الله.
أخبار متفرِّقة:
* وحكى العسكريّ في كتاب التّصحيف أنّه قيل لبعضهم:ما فعلَ أبوك بحمارِهِ ؟.فقال:باعِهِ.فقيل له:لِمَ قلتَ باعِهِ ؟. قال:فلِمَ قلتَ أنت:بحمارِهِ ؟.فقال:أنا جَررتُهُ بالباء،فقال:فلِمَ تَجُرُّ باؤُكَ،وبائِي لا تَجُرّ ؟!.
* ومثله من القياس الفاسد ما حكاه أبو بكر التّاريخي في كتاب " أخبار النّحويّين " أنّ رجلاً قال لِسَمَّاكٍ بالبصرة:بكم هذه السَّمَكَة ؟.فقال:بدرهمان،فضحك الرجل.فقال السّمَّاكُ:أنت أحمق،سمعتُ سيبويه يقول:ثمنُها درهمان.
* وقلت يومًا:ترد الجملة الاسميّة الحاليّة بغير واٍو في فصيح الكلام خلافًا للزّمخشري،كقوله تعالى:(وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةً).فقال بعضُ مَن حضر:هذه الواو في أوِّلِها !.
* وقلتُ يومًا:الفقهاءُ يَلْحنون في قولِهم:" بايع " بغير همز.فقال قائلٌ:فقد قال اللّه تعالى:(فَبَايِعْهُنَّ).
* وقال رجلٌ للحسن :يا أبي سعيد !.فقال له:كسبُ الدّوانيق شغلك عن أن تقول:يا أبا سعيد.
* وسمع أعرابيٌّ رجلاً يقول:أشهدُ أنّ محمدا رسولَ اللّهِ،بفتح (رسول)؛فتوهَّمَ أنّه نصبَه على النّعت؛فقال:يفعلُ ماذا ؟.
* وقال رجلٌ لآخر :ما شانَكَ ؟.بالنّصب،وهو يريد شأنَك،فظنّ أنّه يسألُه عن شَيْنٍ به؛فقال:عظمٌ في وجهي.
* وقال رجلٌ لأعرابيّ :كيف أهلِك بكسر اللّام،وهو يريد السّؤال عن أهلِه.فتوهَّمَ أنّه يسألُه عن كيفيّة هلاكِ نفسه؛فقال: صلْبًا.
* وقيل لرجلٍ :من أين أقبلتَ ؟.فقال:مِن عندِ أهلُونا.فحسده آخر حين سمعه،وظنّ ذلك فصاحةً؛فقال:أنا أعلم من أين أخذها،من قوله [تعالى:] (شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا) ؛فأضحكَ كلٌّ منهما من نفسه.
* وقال رجلٌ لأبي العَيْناء:أتأمرُ بشَيْأ ؟.فقال:نعم،بتقوى اللّه،وحذف الألف مِن شَيْأ.
* وقال رجلٌ لآخر:ما اشتريتَ ؟.قال:عسل.فقال:هلاَّ زدتَ في عسلِكَ ألف ؟.فقال:وأنتَ هَلاَّ زدتَ في ألفِك ألفًا.
* ودخل الخليل [بن أحمد] على مريضٍ نحويّ،وعنده أخٌ له.فقال [الأخ] للمريض:اِفتحْ عيناكَ،وحرِّكْ شفتاكَ؛إنّ أبو محمد جالسًا.فقال الخليل:أرى أنّ أكثر عِلَّة أخيك من كلامك !.
* وسمع الأعمشُ إنسانًا يلحنُ؛فقال:مَن هذا الّذي يتكلّم،وقلبي منه يتألَّم.
ولنتبع هذه الأخبار الظِّراف بشذرات من كلام سلف هذه الأمة المباركة المرحومة ،والّتي من شأنها أن تُبصِّرَ كلَّ مَن عَشا عن لغتِه؛ليرفع لها رأسًا،فعلَّها تُذكي نيران الشّوق والمحبّة في نفسه وقلبه؛فيقطع في سبيل تحصيلها السَّهْل والحَزْن؛ف(مَن يعرفِ المطلوب يحقر ما بذل) و (مَن خطب الحسناءَ لم يُغلِهِ المهرُ).
- قال العبّاس للنّبيّ []:ما الجمالُ في الرّجل يا رسولَ اللّه ؟.قال:اللِّسان.
- وقال أيضا :جمالُ الرجلِ فصاحةُ لسانِه.
- وقال :أجملُ الجمالِ الفصاحة.
- وقال :تعلّموا العربيّةَ؛فإنّ اللّهَ مخاطبُكم بها يوم القيامة.
- قال عبد الملك بن مروان :اللَّحنُ هُجْنَةٌ على الشّريف،والعُجْبُ آفةُ الرّأي.
- وقيل لعبد الملك بن مروان :عَجِلَ عليك الشّيبُ يا أمير المؤمنين،فقال:كيف لا يعجل عليَّ،وأنا أعرضُ عقلي على النّاسِ في كلِّ جمعةٍ مرّة أو مرّتين.أو قال:شيّبني صعودُ المنابر،والخوف من اللَّحْن.
- وكان يقال :اللّحنُ في المنطقِ أقبحُ من آثار الجُدريّ في الوجه.
- وقال حمّاد بنُ سلمة :مثلُ الذي يطلبُ الحديثَ ولا يعرفُ النّحوَ،مثلُ الحمارِ عليه مِخلاةٌ لا شعيرَ فيها.
- وكان أيّوب السّختياني يقول :تعلّموا النّحوَ؛فإنّه جمالٌ للوَضيع،وتركُه هُجْنَةٌ للشّريف.
- وقال عمر :تعلّموا النّحوَ كما تعلّمون السُّنن والفرائضَ.
- وقيل :اللّغة العربيّة هي رأسُ مال الكاتب،وأُسُّ مقالِه،وكنزُ إنفاقِه.
- قال عثمان المهريّ :أتانا كتابُ عمرَ بن الخطّاب ونحن بأذربيجان يأمرنا بأشياءَ،ويذكرُ فيها:تعلّموا العربيّة؛فإنّها تُثبِّتُ العقلَ،وتزيدُ في المروءة.
- وقال الرشيدُ يومًا لبنيه :ما ضرَّ أحدَكم لو تعلّمَ مِن العربيّةِ ما يُصلِحُ به لسانَهُ؛أيسُرُّ أحدَكم أن يكونَ لسانُه كلسانِ عبدهِ، وأَمَتِهِ.
- ومن كلامِ مالكِ بنِ أنسٍ :الإعرابُ حَلْيُ اللِّسانِ؛فلا تَمنعوا ألسِنَتَكُم حَلْيَها.
- وقال أبو سعيدٍ البصريّ : النّحوُ يبسطُ من لسانِ الأَلْكَنِ * والمرءُ تُكرِمُهُ إذا لم يَلْحَنِ
وإذا طلبتَ مِن العلومِ أجلَّها * فأجلُّها عندي مُقيمُ الألسُنِ
- وممّا يُروى لأبي الأسود الدّؤليّ قوله :
ولا أقولُ لقِدْرِ القوْمِ قد غَلِيَتْ ... ولا أقولُ لبابِ الدّارِ مَغْلوقُ
لكنْ أقولُ لِبابي مُغْلَقٌ وغلَتْ ... قِدْري وقابَلَها دَنٌّ وإبْريقُ
أي:إنّني فصيحٌ لا ألحنُ.
- قال صاحب الرّيحان والرّيعان :واللّحنُ قبيحٌ في كُبراء النّاس،وسَراتهم،كما أنّ الإعرابَ جمالٌ لهم،وهو يرفعُ السّاقط مِن السَّفِلَة،ويرتقي به إلى مرتبة تُلحِقُه بمَن كانَ فوق نَمَطِه وصنفه.
- وقال كذلك :وكانَ مَن يُؤثِرُ عقلَه مِن الخلفاءِ يُعاقِبُ على اللّحْن،ويَنفِّرُ مِن خطإِ القولِ،ولا يُجيزُ أنْ يُخاطَبَ به في الرّسائل البُلْدانيّة،ولا أنْ يُوقََفَ به على رؤوسِهِم في الخُطَب المقاميّة.
وها هم الخلفُ من أعلام العصر،يقتفون أثرَ السّلفِ،ويسيرون على خُطاهم في رَصْدِ الأغلاط،والتّحذير من الأخطاءِ؛وما ذلك إلاّ ذوْدًا عن حِياضِ العربيّة لِتبقى صافيةَ المشرب،وردًّا لِعوادي التّغريب من تَهجينِ لغة العرب،والزَّجِّ بها في زوايا الإهمال؛لأنّها - زعموا - لا تَفي بحاجاتِ العصرِ،ولا تَستجيبُ لمطالبِ الإنسان.
إنّها مقالةُ كلِّ مهزوم،خسيس الهِمّة،خامل الإرادة،ممّن رضعَ ثقافةَ الغرب بقَضِّها وقَضِيضِها،حتّى أضحى لا يُفكِّرُ إلاّ بعقولِهم،ولا ينظرُ إلاّ بأعينِهم،فالحَسَنُ عنده ما استحسنُوه،والقبيحُ ما استقبحُوه؛فهو عندهم رأسٌ،وعندنا ذنَبٌ،بعدما اِرتدَّ على أُمّتِه،ومقدّساتها،ينخر في أُسُسِها،وهو يَدّعي أنّه يُقيمُ ما اِنهدَمَ مِن صَرْحِها،ويُعْلِي ما اِنهارَ مِن بُنيانِها !.
ولِلّهِ دَرُّ حافظ إبراهيم شاعر النِّيل،فلقد فاه بدرر من محاسن الشّعر،وبليغ القريض حلَّى به جبين العربيّة؛لتصير بعده مضرب الأمثال.قال - رحمه اللّه تعالى - على لسان اللّغة العربيّة يصف حالها بين أهلها:
رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي * وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حَياتِي
رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني * عَقِمتُ فلم أجزَعْ لِقَولِ عِداتي
وَلَدْتُ،ولمَّا لم أجِدْ لِعَرائسي * رِجالاً وأَكْفاءً وَأَدْتُ بناتِي
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغايةً * وما ضِقْتُ عن آيٍٍ به وعِظاتِ
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلةٍ * وتَنْسِيقِ أسماءَ لمُخْترَعاتِ
أنا البحرُ في أحشائه الدُّرُّ كامِنٌ * فهل سألُوا الغَوّاص عن صَدَفاتي
فيا وَيحَكُم أَبْلى وتَبْلى مَحاسِني * ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني * أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي
أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَةً * وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً * فيا لَيْتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ
أيُطْرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ * يُنادي بِوَأْدي في رَبيعِ حَياتي
ولو تَزْجُرونَ الطَّيرَ يوماً عَلِمتُمُ * بما تحتَه مِنْ عَثْرَة ٍ وشَتاتِ
سقَى اللهُ في بَطْنِ الجزِيرة ِ أَعْظُماً * يَعِزُّ عليها أن تَلينَ قَناتِي
حَفِظْنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتُه * لهُنّ بقلبٍ دائمِ الحَسَراتِ
وفاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشّرقُ مُطْرِقٌ * حَياءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِراتِ
أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً * مِنَ القبرِ يُدْنينِي بغيرِ أَناة ِ
وأسمَعُ للكُتّابِ في مِصرَ ضَجّةً * فأعلَمُ أنّ الصَّائحِين نُعاتي
أَيهجُرنِي قومِي عفا الله عنهمُ * إلى لغةٍ لمْ تتّصلِ برُواة ِ
سَرَتْ لُوثَةُ الأَعجام فيها كمَا سَرَى * لُعابُ الأفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فجاءَتْ كثَوْبٍ ضَمَّ سبعين رُقْعةً * مُشْكَلَة َ الأَلوانِ مُختلفاتِ
إلى مَعشَرِ الكُتّابِ والجَمعُ حافِلٌ * بَسَطْتُ رجائِي بَعدَ بَسْطِ شَكاتِي
فإمّا حَياة ٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلى * وتُنبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتي
وإمّا مَماتٌ لا قيامَة َ بَعدَهُ * مَماتٌ لَعَمْرِي لمْ يُقَسْ بمَماتِ
ولنُعَرِّجِ الآن إلى ذكر بعضٍ من مصنّفات أعلام اللّغة من السّلف والخلف في هذا الباب؛حتّى يُعلمَ أنِّي مقتفٍ لأثرهم،وسائر فيما رسموه لنا من هديهم - رحمهم اللّه تعالى،وأعلى منارهم - فمنها:
1- أدب الكاتب لابن قتيبة عبد اللّه بن مسلم.
2- دُرَّة الغوّاص في أوهام الخواص للحريري القاسم بن عليّ.
3- شرح دُرّة الغوّاص في أوهام الخواص للخفّاجي أحمد بن محمد.
4- الشِّهاب الثّاقب في صناعة الكاتب لسعيد الشّرتوني.
5- شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدّخيل للشّهاب الخفّاجي.
6- تكملة إصلاح ما تغلط فيه العامّة لابن الجواليقي.
7- استدراك الغلط الواقع في كتاب العين للزَّبيدي محمد بن حسن.
8- مسائل الغلط لمحمد بن يزيد أبي العبّاس المبرّد .
9- إصلاح المنطق لابن السِّكِّيت يعقوب بن إسحاق.
10- إصلاح غلط المحدّثين للخطّابي حَمْد بن محمد.
11- المزهر في علوم اللّغة وأنواعها للسّيوطي جلال الدّين.
12- التّطريف في التّصحيف للسّيوطي.
13- تصحيح التّصحيف وتحرير التّحريف للصّفدي صلاح الدّين.
14- ما تلحن فيه العامّة لثعلب أحمد بن يحيى.
15- ما تلحن فيه العامّة لأبي حاتم السّجستاني.
16- ما تلحن فيه العامة للمفضل الضَّبِّي.
17- تصحيفات المحدّثين للعسكري الحسن بن عبد اللّه.
18- أخبار المُصَحِّفين للعسكريّ الحسن بن عبد اللّه.
19- أدب الإملاء والاستملاء للسّمعاني عبد الكريم بن محمد.
20- تهذيب الأسماء واللّغات للنّووي يحيى بن شرف.
21- خير الكلام في التَّقَصِّي عن أغلاط العوام لابن بالي القسطنطيني.
22- أخطاء ألفناها لنسيم نصر.
23- تنبيهات على لغة الجرائد لإبراهيم بن ناصيف اليازجي.
24- تنبيهات اليازجي على محيط البستاني.
25- تذكرة الكاتب لأسعد خليل داغر.
26- دفع الهُجنة في ارتضاخ اللُّكْنة لمحمد عليّ الدّسوقي.
27- تطهير اللّغة من الأخطاء الشّائعة لمحجوب محمد موسى.
28- تحقيقات لغويّة لناصر الدّين الأسد.
29- الضّرائر وما يسوغ للشّاعر دون النّاثر لمحمود شكري الآلوسي.
30- عثرات اللّسان لعبد القادر المغربي.
31- نظرات في اللّغة والأدب لمصطفى الغلاييني.
32- معجم الأخطاء الشّائعة لمحمد العدناني.
33- معجم الأغلاط اللّغويّة المعاصرة لمحمد العدناني.
34- معجم الخطأ والصّواب في اللّغة لإميل بديع يعقوب.
35- قل ولا تقل لمصطفى جواد.
36- المنذر لإبراهيم بن ميخائيل بن منذر.
37- الكتابة الصّحيحة لزهدي جار اللّه.
38- دقائق العربيّة لأمين آل ناصر الدّين.
وإلى جانب هذه المجموعة من المصنَّفات وغيرها ممّا أغفلته؛يمكن إدراج المعجمات والقواميس؛لاشتمالها على عدد كبير من تنبيهات مؤلِّفيها على الأغلاط،وتحذيراتهم من الأغلاط،والّتي لو أمكن جمعها في مصنَّفٍ لخرج كتابا قائما بنفسه،مُهِمًّا في بابه. ولعلّ اللّهَ يُوفِّقُني لذلك،أو غيري من الأفاضل؛فمعرفة الخطأ شيءٌ لا يقِلُّ أهمّية عن معرفة الصّواب.وهذا ينسحب على جميع الأشياء،سواءٌ تعلّقت بأمور الدّين أو الدّنيا.قال عزَّ مِن قائل :(وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)،وفي حديث حذيفة ابن اليمان قال:(كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ الْخَيْرِ،وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ...)،وقال أبو فراس الحمداني من الهزج:
عرفتُ الشّرَّ لا للشَّ * رِّ لكنْ لِتَوَقِّيهِ
ومَن لا يعرفِ الشّرَّ * من النّاس يقعْ فيهِ
ويُروَى في بعض مقالات المعاصرين:(ومَن لا يعرف الخيرَ من الشَّرِّ يقع فيه).
وبعد،فإنِّي أستقلُّ جهدي في هذا الموضوع بالغ الأهمِّيّة،وأراني خُضتُ غمار دربٍ قلَّ سالكوه،وعزَّ ناصحوه،هذا وجرابُ علمي لا يفي بالمطلوب،ولا يُسعِفُ الغريب لبلوغ المأمول،ولولا أنّ هذا الطريق قد راضه قبلي من أعلام اللّغة من سلف هذه الأمّة؛ ما جرُؤتُ على ارتياده؛فرحمةُ اللّه تترى على تلك الأرواح الطّيِّبة،والأنفس الزّكيَّة،ذوات الهِمَمِ العَلِيَّة،من كلِّ إمام فذٍّ،وقاضٍ عدل،من عجم وعرب.
أولائك أشياخي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا أُخَيُّ المجامع
وليس لي من أربٍ سوى أداء بعض ما هو منوط بعنقي من واجب الذّود عن هذه اللّغة الّتي شَرَّف اللّهُ بها أهلها،حين جعلها ترجمان وحيه المقدَّس،ولسانَ رسوله الّذي أُوتِيَ جوامعَ الكَلِم.
والحمد لله رب العالمين
وكتب محمد تبركان