الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فمما خلَّفه إعصار ساندي جدل فقهي حول حكم الدعاء على أمريكا! فأحببت أن أسلِّط الضوء على هذه المسألة: الدعاء على الغير، وهذه المسألة يندرج تحتها أنواع عديدة، منها:
الدعاء على الولد
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد والأموال والأنفس؛ خشية أن يوافق ساعة إجابة، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ؛ لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ» رواه مسلم.
ودعاء الوالد لولده أو عليه مستجاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ» رواه ابن ماجة، ولفظ الإمام أحمد: «وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ».
ودلت قصة جريج على أن دعاء الوالد قد يستجاب على وله ولو كان الولد صالحا وليا، ففي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ – ثم ذكر قصة جريج هذا فقال:- وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً، فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ: يَا رَبِّ، أُمِّي وَصَلَاتِي؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، أُمِّي وَصَلَاتِي؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ. فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ؟ قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ. فَأَتَوْهُ، فَاسْتَنْزَلُوهُ، وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ. فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاءُوا بِهِ. فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ: يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي. قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا».
ولكن هذا من الخطأ، أن ندعوا على أولادنا إذا حصل منهم ما يغضبهم، والذي ينبغي هو الدعاء لهم بالهداية وأن يصلحهم الله ويلهمهم رشدهم.
ومن رحمة الله تعالى أنه لا يستجيب في كثير من الأحيان دعاء الوالدين على أولادهما إذا كان في وقت الغضب والضجر، وذلك لقوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} . قال ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده، وأنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم، في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم - والحالة هذه - لطفاً ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم, أو لأموالهم, أو لأولادهم, بالخير والبركة والنماء" .
الدعاء على المؤمنين
وهذا من الاعتداء في الدعاء.
قال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .
قال السيوطي رحمه الله: "لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشر، اللهم اخزه والعنه ونحو ذلك؛ فإنَّ ذلك عدوان " .
وقد بين نبينا صلى الله عليه وسلم أنَّ المسلمَ من سلم الناس من شر لسانه، والمؤمن لا يكون لعاناً، فقال صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيء» رواه الترمذي.
وعلَّمنا ربنا في القرآن الكريم أن ندعوا لإخواننا {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} .
الدعاء على الظالم
دلت نصوص الكتاب والسنة على على مشروعية الدعاء على الظالم..
قال الله تعالى : {لَاْ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا} . قال ابن كثير رحمه الله: "قال ابن عباسٍ في الآية: يقول: لا يحب الله أن يدعو أحدٌ على أحدٍ، إلا أن يكون مظلومًا، فإنّه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: {إِلا مَنْ ظُلِمَ}، وإن صبر فهو خيرٌ له" .
وقال تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيْلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَىْ الّذِيْنَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِيْ الأرض بِغَيْرِ الْحَقّ أُوْلئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
وقال تعالى: {وَالَّذِيْنَ إِذَاْ أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رواه الترمذي.
فدل هذا الحديث على مشروعية دعاء المظلوم على من ظلمه، لكن لا يدعو عليه بغير مظلمته، ولا يعتدي عليه في الدعاء، فيظلمه هو الآخر.
وقد جاء عن بعض الصحابة دعاؤهم على من ظلمهم:
فقد اتهم رجلٌ من أهل الكوفة سعدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه بما هو بريء منه, قال سعدٌ: "أما واللّه لأدْعونّ بثلاْثٍ: اللهم إنْ كان عبْدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعةً: فأطلْ عمره، وأَطِلْ فقْرَه، وعرّضه للْفتن". فكان الرجل يقول بعد ذلك: شيخٌ مفْتونٌ أصابتْني دعْوة سعْدٍ. رواه البخاري ومسلم.
وعن محمد بن زيد عن سعيد بن زيْدٍ رضي الله عنه أنّ أروى خاصمتْه في بعْض داره، فقال: دعوها وإيّاها، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أخذ شبْرًا من الأرض بغيْر حقّه طوّقه في سبع أرضين يوْم القيامة»، اللهمّ إن كانت كاذبةً فأعم بصرها, واجعلْ قبرها في دارها. قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر، تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيدٍ، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئرٍ في الدار فوقعتْ فيها فكانت قبْرها. رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: "وفي حديث سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه جواز الدعاء على الظالم" .
وثبت عن جابرٍ رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي» رواه البخاري في الأدب المفرد.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قلما كان يقوم من مجلسٍ حتّى يدْعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: «اللهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ ...واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَىْ مَنْ ظَلَمَنَا وَانصُرْنَا عَلَىْ مَنْ عَادَانَا» رواه الترمذي.
الدعاء على الحاكم الظالم
في صحيح مسلم قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ».
الدعاء على العاصي
وهذا ليس مشروعاً.
في صحيح البخاري عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلْعَنُوهُ؛ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشارب خمر، فقال: «اضربوه»، فمنا الضارب بيده، ومنا الضارب بنعله، فقال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا هكذا، لا تعينوا الشيطان عليه» رواه ابن حبان في صحيحه.
دعاء على الكافر
في صحيح البخاري بابان: باب الدعاء للمشركين، وباب الدعاء على المشركين. ودلت النصوص على أمور:
امتنع صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم
قلنا يا رسول الله ألا تدعو على الكفار؟ فقال : «إن الله بعثني رحمة ولم يبعثني لعاناً» رواه مسلم.
وثبت الدعاء لهم بالهداية.
ففي الحديث الذي رواه البخاري: «اللهم اهد دوسا وأت بهم» بعدما امتنعوا عن قبول الدعوة ورفضوها، وفي صحيح مسلم قال: «اللهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ»، وكانت تسبه وتقع فيه قبل إسلامها، وفي مسند أحمد وجامع الترمذي قال: «اللهم اهد ثقيفا». وكانوا وقتها من محاربين. وفي الترمذي عن أبي بردة، عن أبيه قال: كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم: يرحمكم الله، فكان يقول لهم: «يهديكم الله ويصلح بالكم».
ويجوز الاستغفار لهم حال حياتهم
ويراد به: هدايتهم أولا، والمغفرة لهم ثانيا.
ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: «رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ».
قال القرطبي رحمه الله: "وقد قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعوَ الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيَّيْن، فأما من مات: فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعى له" .
ولا يجوز الاستغفار لهم والترحم عليهم بعد موتهم.
قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} . وهذا إجماع.
وثبت الدعاء على الكفار المحاربين للمسلمين. في الصحيحين أنه دَعَا يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمْ الْأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ».
وفي الصحيحين أنه قنت يدعو عليهم حين يَفْرُغُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَيُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ»، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِي يُوسُفَ، اللَّهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ». قال أبو هريرة رضي الله عنه: ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا أُنْزِلَ {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.
وفي مسند أحمد دعا في قنوته بعد أحد: «اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ».
وفي قنوات الصحابة في النصف الثاني من رمضان: "وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق" رواه ابن خزيمة في صحيحه.
والسنة وحي من عند الله لا يكون فيها تعارض أبدا، وإعمال النصوص كلها أولى من إهمال بعضها، ولا يصار إلى القول بالنسخ إلا إذا تعذر الجمع وعلم التاريخ، وإلا فسبيل التوفيق أولى؛ لأنه أخذ للنصوص كلها، والله يقول: {وما آتاكم الرسول فخذوه} .
وسبيل التوفيق بين هذه الأحاديث ما قاله ابن حجر رحمه الله: "أنه صلى الله عليه و سلم كان تارة يدعو عليهم وتارة يدعو لهم فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم كما تقدم في الأحاديث التي قبل هذا بباب والحالة الثانية حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تألفهم" .
وانظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/112)، (3/7).
وعليه فلا شك في مشروعية الدعاء على أمريكا، هذه الدولة التي جعلت محاربة الإسلام أكبر همها، وذاق المسلمون في فلسطين والسودان والعراق وأفغانستان واليمن...و.. و.. إلى واوات لا حصر لها.. شدة بأسها وتنكيلها.
ولا يقال: كيف ندعوا عليها وفيها مسلمون! فقد كان العباس بمكة وهو قرشي، وفي مكة مسلمون من قريش كما قال ربنا: { هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ومع ذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش، ونحن ندعوا عليها وندعوا للمسلمين بالحفظ، وفي السنة دعاء بإنجاء المسلمين المستضعفين.
رب صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين