النفس والقلب .... الروح والبدن ( كيف تدور الأحداث من حولك ) ؟
الحمد لله رب العالمين
خلق بدن ابْن آدم من الأَرْض وروحه من ملكوت السَّمَاء
وَقرن بَينهمَا فَإِذا أجاع بدنه وأسهره وأقامه فِي الْخدمَة وجدت روحه خفَّة وراحة فتاقت إِلَى الْموضع الَّذِي خلقت مِنْهُ واشتاقت إِلَى عالمها الْعلوِي
وَإِذا أشبعه ونعّمه ونومه واشتغل بخدمته وراحته أخلد الْبدن إِلَى الْموضع الَّذِي خلق مِنْهُ فانجذبت الرّوح مَعَه فَصَارَت فِي السجْن
فلولا أَنَّهَا ألفت السجْن لاستغاثت من ألم وفارقتها وانقطاعها عَن عالمها الَّذِي خلقت مِنْهُ كَمَا يستغيث المعذّب
وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلمَا خف الْبدن لطفت الرّوح وَخفت وَطلبت عالمها الْعلوِي
وَكلما ثقل وأخلد إِلَى الشَّهَوَات والراحة ثقلت الرّوح وهبطت من عالمها وَصَارَت أرضية سفليّة
فترى الرجل روحه فِي الرفيق الْأَعْلَى وبدنه عنْدك فَيكون نَائِما على فرَاشه وروحه عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى تجول حول الْعَرْش
وَآخر وَاقِف فِي الْخدمَة بِبدنِهِ وروحه فِي السّفل تجول حول السفليات فَإِذا فَارَقت الرّوح الْبدن التحقت برفيقها الْأَعْلَى أَو الْأَدْنَى فَعِنْدَ الرفيق الْأَعْلَى كل قرّة عين وكل نعيم وسرور وبهجة وَلَذَّة وحياة طيبَة
وَعند الرفيق الْأَسْفَل كل هم وغم وضيق وحزن وحياة نكدة ومعيشة ضنك
قَالَ تَعَالَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ معيشة ضنكا
فذِكْره كَلَامه الَّذِي أنزلهُ على رَسُوله , والإعراض عَنهُ ترك تدبره وَالْعَمَل بِهِ
والمعيشة الضنك فَأكْثر مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنَّهَا عَذَاب الْقَبْر قَالَه ابْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عَبَّاس وَفِيه حَدِيث مَرْفُوع وأصل الضنك فِي اللُّغَة الضّيق والشدة وكل مَا ضَاقَ فَهُوَ ضنك يُقَال منزل ضنك وعيش الضنك فَهَذِهِ الْمَعيشَة الضنك فِي مُقَابلَة التوسيع على النَّفس وَالْبدن بالشهوات وَاللَّذَّات والراحة
فَإِن النَّفس كلما وسعت عَلَيْهَا ضيّقت على الْقلب حَتَّى تصير معيشة ضنكا وَكلما ضيّقت عَلَيْهَا وسعت على الْقلب
حَتَّى ينشرح وينفسخ فضنك الْمَعيشَة فِي الدُّنْيَا بِمُوجب التَّقْوَى سعتها فِي البرزخ وَالْآخِرَة
وسعة الْمَعيشَة فِي الدُّنْيَا بِحكم الْهوى ضنكها فِي البرزخ وَالْآخِرَة
فآثر أحسن المعيشتين وأطيبهما وأدومهما وأشق الْبدن بنعيم الرّوح وَلَا تشق الرّوح بنعيم الْبدن فَإِن نعيم الرّوح وشقاءها أعظم وأدوم ونعيم الْبدن وشقاؤه أقصر وأهون وَالله الْمُسْتَعَان
الْعَارِف لَا يَأْمر النَّاس بترك الدُّنْيَا فَإِنَّهُم لَا يقدرُونَ على تَركهَا وَلَكِن يَأْمُرهُم بترك الذُّنُوب مَعَ إقامتهم على دنياهم
فَترك الدُّنْيَا فَضِيلَة وَترك الذُّنُوب فَرِيضَة
فَكيف يُؤمر بالفضيلة من لم يقم الْفَرِيضَة فَإِن صَعب عَلَيْهِم ترك الذُّنُوب فاجتهد أَن تحبب الله إِلَيْهِم بِذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله فَإِن الْقُلُوب مفطورة على محبته فَإِذا تعلّقت بحبه هان عَلَيْهَا ترك الذُّنُوب والاستقلال مِنْهَا والإصرار عَلَيْهَا
وَقد قَالَ يحيى بن معَاذ طلب الْعَاقِل للدنيا خير من ترك الْجَاهِل لَهَا الْعَارِف يَدْعُو النَّاس إِلَى الله من دنياهم فتسهل عَلَيْهِم الْإِجَابَة والزاهد يَدعُوهُم إِلَى الله بترك الدُّنْيَا فتشق عَلَيْهِم الْإِجَابَة فَإِن الْفِطَام عَن الثدي الَّذِي مَا عقل الْإِنْسَان نَفسه إِلَّا وَهُوَ يرتضع مِنْهُ شَدِيد وَلَكِن بِخَير من المرضعات أزكاهن وأفضلهن فَإِن للبن تَأْثِيرا فِي طبيعة المرتضع ورضاع الْمَرْأَة الحمقى يعود بحمق الْوَلَد وأنفع الرضَاعَة مَا كَانَ من المجاعة فَإِن قويت على مرَارَة الْفِطَام وَإِلَّا فارتضع بِقدر فَإِن من البشم مَا يقتل