حكم إقامة الزردة والوعدة
للشيخ أحمد حماني
- رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر-
-رحمه الله-
فحوى السؤال :
كنا نزور المشايخ بنية خالصة ونتبرك بآثار الصالحين ونتمسح بقبورهم ونتوسل بهم ونقيم الزردات و الوعدات كلما مرت بنا المحن فنظفر بالمنن وتفرج علينا حتى جاء الباديسيون وقطعوا علينا هذه الإحتفالات البهيجة وغابت علينا وغضب علينا ديوان الصالحين.
أفليس من الخير أن نعود إلى الزردة والوعدة ونحيي ما اندثر , فإن ذلك عادات الآباء والأجداد , زيادة على الرجاء في تبديل الأحوال وانصراف الأهوال وإرضاء الرجال وعسى أن تنفرج عنا المحن وتكثر المنن .
هذا مايقوله بعض الناس ويود أن تسبح الأمة فتذهب الغمة وما علينا في الزردة والوعدة وقضاء زمن كثير من الأفراح والأيام والليلي الملاح والقصبة والبندير والتهويل والشخير والنحير وما رأيكم دام فضلكم؟
عبد الله الغفلان زمورة ولاية غليزان
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أولا : سؤال محير لا ندري أصاحبه جاد به أم هازل ؟ فإن كان جادا أجبناه بعلمنا ولا عتب علينا وإن كان هازلا بنا فنعوذ بالله أن نكون من الهازلين
فقول السائل : كنا نزور المشايخ بنية صالحة , الصواب كنا نزورهم بغفلة فاضحة ، أعيننا مغلقة وعقولنا معطلة فالشيوخ كانوا عاطلين عن كل ما يؤهلهم للزيارة , فلا علم ولا زهد ولا صلاح ولكن نسب مرتاب في صحته بل كما قيل : نعبدهم ونرزقهم
والزيارة الشرعية تكون للشيخ إذا كان من ذوي العلم والفهم والصلاح فيكتسب منه الزائر العلم والدين والصلاح ويأخذ منه المعقول والمنقول ويرجع بفوائد جمة . كما أن عالم المدينة بها وأبو حنيفة في العراق , هذه هي الزيارة المأذون فيها وكانت تضرب إليها آباط الإبل , فأما إذا كان الشيخ كالصنم فماذا يستفيد الزائر ؟ أعلما أم زهدا أم صلاحا أم نصيحة أم عقلا ؟ إن المشايخ كانوا خلوا من كل ذلك , وفاقد الشيء لا يعطيه .
والذين كان يمكن الإستفادة من علمهم لم يردوا في سؤالكم ولا يمكن أن يخطروا ببالكم مثل ابن باديس والتبسي رحمهما الله , فقد كان يزورهما الطلاب ويرجعون من عندهم بعلم وفير ونصائح جمة أفادت الوطن والأمة .
وإنما حكمت أنك لا تريد هذا الصنف المقيد من العلماء لأنك ذكرت مع زيارتهم ، البركة والتمسح بالقبور والزردة والوعدة ونسيت الهردة والوخدة والفجور والخمور , فقد أنقذوا هذه الأمة من هذه الشرور وخلصوها من قبضة مشايخ الطرق , فكان ذلك مقدمة لتحريرها ورفع رايتها , ولم يكن لغالب مشايخ الطرق إلا فضيلة النسب الشريف وهو مظنون , وإن صح ففي الحديث : )من بطأ به عمـله لم يسرع به نسبه ( [ رواه مسلم ] وأم الشرفاء قال لها رسول الله b: )يا فاطمة لاأغني عنك من الله شيئا( [رواه البخاري ومسلم ] فإذا أردت أخذ البركة من المشايخ فاقصدهم للعلم والفضل والصلاح والزهد واقتد بهم واعمل عملهم تنتفع وتحصل لك أنواع من البركة الحقيقية لا المتخيلة .
ثانيا:
وأما قولك: نتمسح على قبورهم فإن مثل هذا التمسح نوع من الشرك ولا يكون إلا للحجر الأسود بالكعبة فقط مع التوحيد الخالص لله وقد قال له عمرd يخاطبه والله ما أنت إلا حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك([ متفق عليه], فإن كنت مع الحجر الأسود كما قال عمر فلا بأس أن تقبله ، أما غيره فلا يجوز لك التمسح به فإن التمسح به وتقبيله شرك يتنـزه عنه المؤمن الموحد .
إن المؤمن يعلم - كما علم عمر – أنه حجر والله يقول في مثله من الجماد الذي كان يفتن العباد [ إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا مااستجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ] [فاطر 14] فالبركة المستفادة من هذا التمسح هي الرجوع إلى عهد الجاهلية والشرك بالله.
هذا هو التمسح بالقبور , فإنها أجداث ، فإن قصدت ساكني القبور ، فإن ذلك منك أضل ألم تر أن صاحب القبر كان حيا يرزق ثم جاءه الموت , والموت كريه لا يحب زيارته أحد من الأحياء , فلم يستطع دفعه عن نفسه واستسلم مكرها ولو استطاع أن يفتدي منه لبذل له الدنيا وما فيها .
فمن رجا الخير من ميت أو دفع الضر المتوقع فلا أضل منه , فادع في كل ما يصيبك الحي الذي لا يموت فإنه النافع الضار وحده والله يوصي عباده فيقول[ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ][ فصلت :37]
ثالثا :
فأما قولك:كنا نتوسل بهم فإن التوسل الشائع بين الناس وهو دعاء - الدعاء مخ العبادة – شرك محض , فالتوحيد أن تدعو الله الذي خلقك - ولو عظمت ذنوبك – فإنه معك يسمع دعاءك فإن كان لابد من التوسل فتوسل بصالح أعمالك كما فعل الثلاثة أصحاب الغار حينما نزلت عليهم الصخرة وسدته عليهم , فاستجاب لهم من يعلم بشدتهم , هذا هو التوسل الصحيح وغيره قد يوقع صاحبه في الشرك فلا تحم حوله.
رابعا:
وأما قولك: كنا نقيم الزردات والوعدات كلما اشتدت بنا المحن فإن هذه الزردات كانت من آثار غفلتنا وهي منافية ليقظتنا , وكان علماؤنا رحمهم الله يسمونها أعراس الشيطان لما يقع فيها من سفه وتبذير وعهر وخمر واختلاط وفجور , وإنما كان يشد إليها الرحال من تونس حتى المغرب الغافلون منا المستهترون بالدين والأخلاق وكانت من أعظمها زردة سيدي عابد بناحيتكم , يأتيها الفساق من تونس والمغرب ومابينهما , وسل الشيوخ من الأحياء ينبئونك , وكانت هذه الزرد كثيرة لأن لكل قوم إلههم من أصحاب القبور من حدود تبسة إلى مغنية , فكانت القبور تعبد من دون الله ولكل قوم من يقدسونه .فسيدي سعيد في تبسة , وسيدي راشد بقسنطينة , وسيدي الخير بسطيف , وسيدي بن حملاوي بتلاغمة , وسيدي الزين بسكيكدة وسيدي منصور بتيزي وزو , وسيدي محمد الكبير في البليدة , سيدي عابد بغليزان , وسيدي بومدين بتلمسان , وسيدي عبد الرحمن بالعاصمة ويزاحمه سيدي امحمد ...وليعذرني الإخوة ممن لم أذكر آلهة بلدانهم وهم ألوف .
ففعل هؤلاء القوم مع هؤلاء المشايخ يشبه فعل الجاهلية مع هبل واللات والعزى وخصوصا إقامة الزردة حولها والذبح لها والتمسح بالقبور , أفترانا نحيي آثار الشرك ونحن موحدون ؟
لقد وقف العلماء وقفة صادقة ضد هذه المناكير في الزرد , لافرق بين علماء الإصلاح وغيرهم ممن كان يناصر جمعية العلماء ومن كان خارجها حتى قضوا على الزردة وساء ذلك الدوائر اٍلاستعمارية فأرادت أن تحييها وتحافظ عليها , وفي علمي أن آخر زردة في قسنطينة , أقامها سياسي فشل في سياسته الإدماجية فعادى العلماء واتهمهم , وأقام زردة بثيران المعمون وأخرافهم وأين؟ في مدينة قسنطينة ,عرين أسد الإصلاح , لكنه دفن نفسه ولم تقم له قائمة
فمن يريد أن يسير اليوم بإحياء الزردة والوعدة فبشره بخيبة تصيبه مثل خيبة الأمس فاحذر يا صاحب السؤال
خامسا:
ثم إن الطعام واللحم المقدم في الزردة لا يحل أكله شرعا لأنه مما نص القرآن على حرمة أكله فإنه سبحانه وتعالى يقول : [ حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ] [المائدة:3]
فاللحم من القسم الرابع أي مما أهل لغير الله , أي ذبح لغير الله بل للمشايخ.
فزردة سيدي عابد أقيمت له وهكذا سيدي امحمد بن عودة وسيدي بومدين....الخ , أقيمت له الزردة ليرضى وينفع ويدفع الضر ، وتقول إن هذه الذبائح قد ذكر عليها اسم الله , فنقول : ولو ذكر اسم الله ، فإن النية الأولى وهي تقديمها إلى صاحب المقام يجعلها لغير الله .
برهان ذلك فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب d مع والد الفرزدق ؛ سحيم ، فإن سحيما علم أن غالبا نحر ليطعم الناس فنحر , فسمع به غالب فنحر عشرات , فغالبه سحيم ونحر مثله وكثر المنحور حتى عد بالمئات , يريدان به الفخر , فلما جاء الأمر إلى عليdنهى الناس عن أكل لحمهما واعتبرها مما أهل لغير الله , ولاشك أن ناحريها قد ذكروا عند نحرها اسم الله , لكن الناحرين قصدا بذلك التباهي والإفتخار فكانت مما أهل لغير الله
فلحم الزردة حرام , وطعامها حرام لأنه صنع بذلك اللحم , والحضور في الزردة حرام لأنه تكثير لأهل الباطل ولو كان الذي حضر إماما أو رئيس أئمة أو دكتورا أو عالما فإنه عار علينا أن نزرد بأموال الدولة ونحن غارقون في الديون , وقد شاهدنا في تلفزتنا ما يحب الأروبيون أن نكون عليه من اللعب بالثعابين , فكل من أحيا فينا الغفلة التي كنا فيها بالأمس ليس بناصح لنا بل غاش ولن يفلح في مقاصده وسيكون كما قال الله في مثله ممن جعلوا المال للكيد بالمسلمين:[فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون].[الأنفال:36]
سادسا :
وأما قولك: حتى جاء الباديسيون فالحق أن ابن باديس وأصحابه إنما دقوا الجرس فاستيقظ الشعب ورأى الخطر المحدق به فانفض عنهم[1] ولم يأت ابن باديس بدين جديد و لا بطريق جديد وإنما تلا كتاب الله وحدث بكلام رسول الله صلى الله عليه و سلم وسار بسيرة السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين وكفى ابن باديس ان أيقظ المسلمين.
سابعا :
إذا أردنا أن تزول المحن عنا فلنجتنبها ونخالف طريقها : نعبد الله وحده ونطيع الله ورسوله ونوحد الكلمة فيما بيننا ونعتصم بحبل الله المتين ونستقيم ونعمل الصالحات فلا بد من العمل المتواصل لأن الله يأمر به: [ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون][التوبة:105 ]
هذه هي وسائل النجاح وليست إقامة الوعدات والزردات ودعاء غير الله فهذا عمل الخاسرين .
فإن طلبنا النجاح وزوال المحن بغير هذه الطريقة فنحن في ضلال وخسران كما أقسم على ذلك رب الناس [ والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ]
هذا جواب سؤالك يا أخا زمورة وسنعود إلى الموضوع والسلام عليكم وعلى كل من اتبع الهدى
أحمد حماني
18/11/1991
جريدة الشعب اليومية
الإثنين 19/11/1991
صفحة رقم :9 رياض الإسلام
منابر الهدى السنة الثانية العدد الثالث محرم/صفر 1422