أخي في الله ... أختي في الله، حل علينا منذ أيام قليلة (شهرٌ كريم، وموسمٌ عظيم، يُعَظِّمُ اللهُ فيه الأجرَ ويُجْزلُ المواهبَ، ويَفْتَحُ أبوابَ الخيرِ فيه لكلِ راغب، شَهْرُ الخَيْراتِ والبركاتِ، شَهْرُ المِنَح والْهِبَات (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)([1])، شهرٌ مَحْفُوفٌ بالرحمةِ والمغفرة والعتقِ من النارِ.
اشْتَهَرت بفضلِهِ الأخبار، وتَوَاتَرَت فيه الاثار، ففِي الصحِيْحَيْنِ: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ)([2])، وإنما تُفْتَّحُ أبوابُ الجنة في هذا الشهرِ لِكَثْرَةِ الأعمالِ الصَالِحَةِ وتَرْغِيبًا للعَاملِينْ، وتُغَلَّقُ أبوابُ النار لقلَّة المعاصِي من أهل الإِيْمان، وتُصَفَّدُ الشياطينُ فَتُغَلُّ فلا يَخْلُصونُ إلى ما يَخْلُصون إليه في غيرِه)([3]).
شهر رمضان فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، مَنْ حُرِمَ خيرها فقد حُرِم ألا وهي ليلة القدر.
ومن العبادات التي افترضها الله تعالى في هذا الشهر هي عبادة الصوم، قال تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)([4])، (والصوم فيه خصيصةٌ ليست في غيره، وهي إضافته إلى الله عزَّ وجلَّ حيث يقول سبحانه في الحديث القدسي: (الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)([5])، وكفى بهذه الإضافة شرفًا ... ولقد فُضِّل الصوم لمعنيين: أحدهما: أنه سر وعمل باطن، لا يراه الخلق ولا يدخله رياء. والثـاني: أنه قهر لعدو الله؛ لأن وسيلة العدو الشهوات، وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب، وما دامت أرض الشهوات مُخصِبة، فالشياطين يترددون إلى ذلك المَرْعى، وبترك الشهوات تضيق عليهم المسالك)([6]).
ولِمَا لهذا الشهر من فضل، وجب على المؤمن الحريص على رضى ربه أن ينتهز هذه الفرصة فيتهيأ لاستقبال هذا الشهر بالتوبة النصوح، والعزيمة الصادقة على اغتنام ساعاته، وعمارة أوقاته، فيسارع بالطاعات، ويحذر السيئات، ويجتهد في أداء ما افترض الله عليه، ولأجل ذلك رغبتُ في وضع هذه الهدايا المجموعة من كلام أهل العلم للصائمين والصائمات سائلة الله أن ينفعني وإياكم بها والله ولي التوفيق.
الهدايا المفيدات للصائمين والصائمات
1) استقبال شهر الصيام كيف يكون؟! هل هناك طقوس معينة لاستقباله؟!: لا يخص شهر رمضان بطقوس معينة كما ذكر ذلك الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى حيث قال: (لا أعلم شيئًا معينًا لاستقبال رمضان سوى أن يستقبله المسلم بالفرح والسرور والاغتباط وشكر الله أن بلغه رمضان، ووفقه فجعله من الأحياء الذين يتنافسون في صالح العمل، فإن بلوغ رمضان نعمة عظيمة من الله. ولهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّميبشر أصحابه بقدوم رمضان مبينًا فضائله وما أعد الله فيه للصائمين والقائمين من الثواب العظيم، ويشرع للمسلم استقبال هذا الشهر الكريم بالتوبة النصوح والاستعداد لصيامه وقيامه بنية صالحة وعزيمة صادقة)([7]).
2) التهنئة بقدوم شهر رمضان: قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في إجابته حول ما يتعلق بموضوع التهنئة بدخول شهر رمضان: (ورد عن السلف أنهم كانوا يهنئون بعضهم بعضًا في دخول رمضان ولا حرج في هذا، فيقول مثلًا: شهر مبارك، أو بارك الله لك في شهرك، أو ما أشبه ذلك، ويرد عليه المهنأ بمثل ما هنأه به، فيقول مثلًا: ولك بمثل هذا، أو يقول: وهو مبارك عليه، أو ما يحصل به تطييب خاطر المهنئ)([8])انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى وبمثل ذلك أجاب الشيخ المُحَدِّث عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى([9]).
3) تصحيح النية في أداء العبادات في شهر رمضان: (الواجب على المسلم أن يصوم إيمانًا واحتسابًا، لا رياء ولا سمعة ولا تقليدًا للناس أو متابعة لأهله أو أهل بلده، بل الواجب عليه أن يكون الحامل له على الصوم هو إيمانه بأن الله قد فرض عليه ذلك، واحتسابه الأجر عند ربه في ذلك، وهكذا قيام رمضان يجب أن يفعله المسلم إيمانًا واحتسابًا لا لسبب آخر، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ صَامَ رَمَضَاَن إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ [وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ] وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)([10]))([11]).
4) صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته: يثبت شهر رمضان برؤية الهلال فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ)([12])، (وإذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافقة، وجْهُه الأحاديث المصرحة بالصيام لرؤيته والإفطار لرؤيته وهي: خطاب لجميع الأمة فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لجميعهم)([13])، وقال الْمُحَدِّث العلَّامة محمد ناصر الدِّين الألباني رحمه الله تعالى في هذه المسألة التي يكثر الكلام فيها مع بداية الشهر ونهايته: (ويبقى حديث أبي هريرة وغيره على عمومه؛ يشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلد أو إقليم من غير تحديد مسافة أصلا كما قال ابن تيمية في [الفتاوى: 25/157]، وهذا أمر متيسر اليوم للغاية كما هو معلوم ولكنه يتطلب شيئًا من اهتمام الدول الإسلامية حتى تجعله حقيقة واقعية إن شاء الله تبارك وتعالى ... وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك؛ فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته، ولا ينقسم على نفسه، فيصوم بعضهم معها، وبعضهم مع غيرها، تقدمت في صيامها أو تأخرت، لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد كما وقع في بعض الدول العربية منذ بضع سنين والله المستعان)([14]).
5) تبييت النية قبل طلوع الفجر في صيام الفرض: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم: (مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ)([15])، (وأمَّا أنه يجب تجديد النية لكل يوم فلا يخفى أن النية هي مجرد القصد إلى الشئ أو الإرادة له من دون إعتبار أمر آخر، ولا ريب أن من قام في وقت السحر وتناول طعامه وشرابه في ذلك الوقت من دون عادة له به في غير أيام الصوم فقد حصل له القصد المعتبر؛ لأن أفعال العقلاء لا تخلو عن ذلك، وكذلك الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لا يكون إلا من قاصد للصوم بالضرورة إذا لم يكن ثم عذر مانع عن الأكل والشرب غير الصوم، ولا يمكن وجود مثل ذلك من غير قاصد إلا إذا كان مجنونًا أو ساهيًا أو نائمًا كمن ينام يومًا كاملًا، وإذا تقرر هذا: فمجرد القصد إلى السحور قائم مقام تبييت النية عند من اعتبر التبييت، ومجرد الإمساك عن المفطرات وكف النفس عنها في جميع النهار يقوم أيضًا مقام النية عند من لم يعتبر التبييت، ومن قال أنه يجب في النية زيادة على هذا المقدار فليأت بالبرهان، فإن مفهوم النية لغة وشرعًا لا يدل على غير ما ذكرناه)([16]).
6) التسحر واستحباب تأخيره: فعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالَ إِنَّهَا بَرَكَةٌ أَعْطَاكُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا فَلَا تَدَعُوهُ)([17])، (ووصف السحور بالبركة يعود للمنافع الدنيوية والأخروية المتحصلة منه؛ فيبارك باليسير منه بحيث يحصل به الإعانة والتيسير على الصوم وغيره من أعمال النهار من غير إضرار بالصائم، ويزيد في النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، وكذلك هو بركة لما يتفق للمتسحر من ذكر أو صلاة أو استغفار وغيره من زيادات الأعمال الصالحة التي لولا القيام للسحور لكان الإنسان نائمًا عنها وتاركًا لها، وفيه إقامة للسُّنَّة ومخالفة لأهل الكتاب لأنَّه ممتنع عندهم وكُلُّ ذلك مما يوجب زيادة الأجر والثواب، وأحسن السحور التمر فعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: (نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ)([18]) وهذا يدل على أن التسحر بالتمر ممدوح؛ لأن (نِعْمَ) هذه من صيغ المدح كما هو معلوم)([19]). ويستحب تأخير السحور إلى قبيل الفجر؛ لأن ذلك فعل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم وهو أبلغ في المقصود، فقد روى أنسٌ رضي الله عنه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنَّه قال: (تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً)([20])).
7) تعجيل الإفطار: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم: (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ)([21])، وعنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم: (كانَ إذا كانَ صَائِمًا أَمَرَ رَجُلًا فأَوْفى على نَشَزٍ([22]) فإذا قالَ: قَدْ غَابتِ الشَّمسُ أَفْطَر)([23])، (وفي الحديث اهتمامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بالتعجيل بالإفطار بعد أن يتأكد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من غروب الشمس، فيأمر من يعلو مكانًا مرتفعًا، فيخبره بغروب الشمس ليفطر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وما ذلك منه إلا تحقيقًا منه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" [متفق عليه، وهو مخرج في (الإرواء: 917)]. وإن من المؤسف حقًا أن نرى الناس اليوم، قد خالفوا هذه السُّنَّة، فإن الكثيرين منهم يرون غروب الشمس بأعينهم، ومع ذلك لا يفطرون حتى يسمعوا أذان البلد، جاهلين: أولًا: أنه لا يؤذن فيه على رؤية الغروب، وإنما على التوقيت الفلكي. وثانيًا: أن البلد الواحد قد يختلف الغروب فيه من موضع إلى آخر بسبب الجبال والوديان، فرأينا ناسًا لا يفطرون وقد رأوا الغروبّ وآخرين يفطرون والشمس بادية لم تغرب؛ لأنهم سمعوا الأذان! والله المستعان!)([24]).
الإفطار على رطبات أو تمرات أو شربة من ماء والدعاء: فقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىآلِهِ وَسَلَّم: (يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ)([25])، والدعاء عند الإفطار فإن للصائم دعوة لا ترد حتى يُفْطِر وبما ثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم: (ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)([26]).