Admin
..:: صـــاحـب المنــتـدى ::..
||•الجنس•|: : ||•مسآهمآتے•| : 3462 ||تـقـييمےُ•|: : 1 تاريخ التسجيل : 24/01/2013
| موضوع: في المقاربة الدينية للعنف المدرسي 17/7/2013, 10:24 pm | |
|
- اقتباس :
- الحديث عن العنف على المتعلم في المدرسة كظاهرة سلوكية لدى بعض المدرسين يجعلنا دائما نربطها بالمدرسة التقليدية "المسيد" أو ما يسمى نظام الكتاتيب الذي كان معروفا في البلدان الإسلامية قبل ظهور المدرسة النظامية الحديثة في بداية القرن العشرين تقريبا. إذ صار "الفقيه" رمزا للتعنيف في التعليم في ذاكرة كل من مر في هذا النظام الذي لايزال منتشرا في مجموعة من المناطق في بلادنا، وهو ما جعل البعض منا يربط بين هذا السلوك والفكر الإسلامي كخلفية تعطي للمدرس الحق في نهج أي أسلوب يراه مناسبا للتعلم. مما يجعلنا نتساءل عن حقيقة هذا الربط، وهل له من مسوغات؟.
إن معرفة مقاربة التدريس التي يتبناها النظام الإسلامي لا يتأتى إلا بالرجوع إلا كتاب الله عز وجل وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم- انطلاقا من قوله تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء)، حيث أعطى الله لنا مجموعة من المواقف المتعلقة بدروس ووضعيات لعملية التعلم، أو ما يمكن أن نسميه بلغة العصر " دروسا نموذجية" تبين لمتفحصيها الأسلوب الذي يقترحه النظام الإسلامي في التربية وتبليغ الأفكار، ومن هذه المواقف: قصة نبي الله موسى مع الخضر (الكهف:الآيات 65-81) والتي تضعنا أمام قصة فريدة لطلب نبي الله موسى عليه السلام العلم من حكيم ذلك الزمان 'الحضر'.. فرغم اندفاعية موسى وكثرة سؤاله ومعارضته لطريقة مدرسه في التعلم –طريقة الحركة الحية المشوقة التي تترك النتائج للمتعلم ليكتشفها فيما بعد- إلا أن المعلم يقبل دائما الإعتذار الذي يقدمه موسى لأنه يراعي نفسية المتعلم ومستواه، فهذا الأخير يتلقى تعلمات جديدة عليه. فكلما أخطأ موسى التصرف إلا وذكره مدرسه ببند التعاقد الذي تم بينهما وبشرطه له ( ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا، قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا، فانطلقا...) فانطلقا في التعلم من جديد دون عقاب أو حتى عتاب، بل إنه لم يحرمه من المعلومات والأسرار التي هي محور الدرس رغم أن موسى كرر نفس الخطأ عدة مرات (...سأنبئك بما لم تستطع عليه صبرا، أما السفينة...). حادثة الرسول –صلى الله عليه وسلم- مع عبد الله بن مكثوم، فقد عاتب الله تعالى نبيه عتابا شديدا يتلى إلى يوم القيامة حين قطّب وجهه وأعرض عن ذلك الأعمى الذي اقتحم عليه قاعة الدرس يريد التعلم ! (عبس وتولى أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يتزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى) -عبس:1-2-. نعم إنها مرحلة حرجة في تاريخ الإسلام ودعوته، فمثل ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم قد يراه البعض صائبا خصوصا وأنه مشغول بدعوة كبار قريش، ولكن خالق كل شيء يريد هذه الحادثة لتكون درسا –كما يريدها دروسا لأشياء أخرى- في كون الإسلام نظام يرفض التفريق بين المتعلمين بسبب قيمتهم أو حالتهم الاجتماعية، كما يرفض فظاظة المدرس وشدته على من أراد التعلم، ففعل التقطيب كفعل حركي من طرف المدرس يرفضه الإسلام فما بالك بسب أو ضرب للمتعلم. لأن هذا قد يؤدي إلى طردهم من حلقة التعلم والدعوة وتبغيض لفعل التعلم في نفوسهم (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) –الأنعام 53-. قال تعالى: "قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مأرب أخرى" – سورة طه 17- فقد اجمع جل المفسرين أن كلمة 'أهش' تعني: اضرب يمنة ويسرة في الهواء لأوجه الغنم الوجهة التي أريدها. فالذي يستوقفنا في هذه الآية الكريمة هو أن حتى مع الحيوانات لم يستعمل نبي الله موسى الضرب، وإنما اقتصر على تحريك العصا في الهواء !! فيكيف بالإنسان؟. مجموعة من الأحاديث التي تنهى عن الضرب وإحداث إي أثر قد يقبح وجه الشخص أو يحدث به عاهة تتبعه في حياته، فقد ورد عن المصطفى –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه" (رواه مسلم 2612)، فكون الإنسان يقاتل إنسانا أخر تحت أي سبب لا يبيح له أن يضربه على وجهه ! فكيف بمن يضرب ابنه أو تلميذه على وجهه ثم يدعي أن ذلك إنما كان للتأديب وحسن النية؟.. إلى غيره من الأحاديث التي تنهى عن العنف و القسوة والاعتداء على الإنسان تحت أية ذريعة. قصة الخليل إبراهيم عليه السلام مع أبيه، نلمس في هذه القصة مظاهر كثيرة للملاينة والملاطفة من نبي الله وخليله كمدرس يريد إيصال مفهوم التوحيد لطاغية وجبار فنراه يقول له رغم الإعراض والوعيد ( يأبتي لم تعبد ما لا يسمع...) يأبتي، بأسلوب فيه حنان و لين ومداعبة من أجل تحقيق الهدف من التعلم –بل إن أغلب المفسرين ينفون أن يكون أباه حقيقة، لكن رغم ذلك استعمل إبراهيم صفة أقرب الناس إليه لمناداة المخاطب. وإن لم يحقق المدرس إبراهيم عليه السلام هدفه فقد ظل ظابطا نفسه رزينا في أفعاله ومتمالكا لأعصابه لا يغضب أبدا -البقرة 126-127- إنه نفس الأسلوب ونفس المنهجية التي نراها مبثوثة في مواضع كثيرة في القران الكريم ( قصة لقمان، قصة نوح مع ابيه، قصة موسى مع فرعون، موسى وفتاه...) إذ لا توجد آية تدعو إلى الغلظة و العنف في التعلم. وقد يقول البعض منا: وماذا عن القول المشهور للرسول صلى الله عليه وسلم: "مروا أبنائكم بالصلاة لسبع سنين، و اضربوهم عليها لعشر سنين..." –رواه أحمد- ؟ لابد أن نميز بين الضرب كمصطلح في حقل نصوص الوحي ومدلوله في المعجم اللغوي، فالقرآن وكذلك السنة لم يستعملا "الضرب" –كفعل أمر- للدلالة على التعنيف الشديد، فهذا المعنى الأخير يعبر عليه الوحي بمصطلحي "الجلد" أو "الإيذاء"، أمر الضرب فإنه نوع من التنبيه، و"قد بين الله قضية الضرب عند أيوب عليه السلام؛ وأخذ بيدك ضغثا فأضرب به؛ والضغث هو حزمة من الأعشاب الرقيقة " -علي منصور كيالي 'القرآن علم وبيان'- ولهذا نجد الوحي لا يستعمل الضرب أبدا بمعنى العقاب. فالضرب الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم هو من باب التنبيه وإظهار الحزم في الأمر، وهو أمر يمكن الولوج إليه في بعض الحالات المناسبة، لأن إغفاله قد يجعل من العملية التعليمية ضربا من التسيب و العشوائية، وأيا كان الأمر فإن علماء الإسلام قد وضعوا شروطا وضوابط لضرب الطفل من أجل تربيته: 1- أن يكون الضرب على قدر الحاجة وألا يكون مبرحاً. 2- ألا يكون الضرب مؤذياً للطفل نفسياً وجسدياً. 3- ألا يضرب وهو في حالة الغضب حتى يدرك ما يفعل. 4- يجب التنبه على أن الضرب للتاديب والتهذيب لا للانتقام والتعذيب. 5- اختيار المكان المناسب بحيث ألا يكون أمام الناس. 6- ألا يضرب في الوجه والرأس وفي الأماكن القاتلة والمؤذية. وسيرته عليه الصلاة والسلام هي من سيبين لنا طريقته في التعامل و التعليم والدعوة تجاه الأطفال، فقد تواترت الأحاديث التي تخبر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يرافق حفيديه الحسن والحسين إلى المسجد لكي يتعلموا الصلاة، فكانا يركبان على ظهره فيمكث ساجدا حتى ينتهيا من لعبهما دون أن يعنفهما أو يغضب عليهما، كما أنه كان كثير الرحمة على الأطفال حتى في المواقف التي تتطلب منه صلى الله عليه وسلم التدخل الحازم كما في قصته مع الفتيان اللذين وجدهم يلعبون بعصفور ويعذبانه، فنصحهم بلطف وطلب منهم إطلاق سراح العصفور وبين لهم أنه روح لا ينبغي العبث بها. وكما تبين شهادة العديد من تلاميذه كأنس ابن مالك، وابن عباس وغيرهما. وهذه أمثلة أخرى عن معاملته مع الأطفال ليتدبرها كل من يحاول أن يشرع لنفسه العنف و القسوة من خلال كلام الرحمة المهداة: - قَبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "من لا يرحم لا يُرحم" (متفق عليه). - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناسٌ من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم. قالوا: لكنا - والله - ما نُقبِّل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة"(متفق عليه). - ومن ذلك أن غلاماً لأنس بن مالك رضي الله عنه اسمه عُمَير كان له نغير - وهو الطائر الصغير - يلعب به، فمات النغير، فحزن عليه الصبي، فذهب إليه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يزوره ليواسيه ويمازحه، فقال له: "يا أبا عُمَير! ما فعل النغير " (متفق عليه). إلى غيرها من الوقائع التي يضيق المكان للإتيان بها كلها. إنه افتراء على المنظور الإسلامي و منهجيته في التدريس حين ننسب إليه العنف وندعي أنه يشرعه لنا لتحقيق تربية النشء وتعليمهم العلوم النافعة في الدنيا والآخرة، فالله خالق هذا الإنسان والعالم بقدراته في كل مراحله العمرية لا يعوزه أن يقدم لنا في كتابه الخالد طرقا وبيداغوجيات تصلح لنقل هذا الإنسان إلى ذات عارفة عالمة منسجمة مع محيطها قادرة على تحمل مهمة الاستخلاف بكل جدارة واقتدار. إننا نكون بعيدين عن أمره حين نخالفه في هذه الطرق التي منحها لنا، ليس كنظريات شاردة في عالم المثالية، وإنما كوقائع وقصص طبقت في مناخات مختلفة –كما رأينا في قصص متعددة- وبينت نجاعتها وقدرتها في تحقيق ما أريد لها من أهداف وغايات.
| |
|