الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه، وبعد:
الخطبة الأولى
يقول الله - جل وعلا -: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر: 44)
يشتكي الناس كثيرا مما يصاحب هذا العصر من الأزمات والنكبات، وما ينالهم منه من الأمراض النفسية، وتفاقم الهموم والغموم والحسرات، واشتداد القلق والخوف والتشاؤم.
وما ذلك إلا نتيجة انقطاع صلة أكثر الناس بربهم، واقبالهم على الدنيا المادية الفانية، عليها يتبارون ويتنافسون، ومن اجلها يكيد بعضهم لبعض ويقتتلون، وما كانت هذه الحال لتصيب المسلمين لولا ان أكثرهم ضعفت ثقتهم بالله الخالق، وقويت ثقتهم بالمخلوق، وما تجرأ من تجرأوا على المعاصي وانتهاك حرمات الدين، إلا لأنهم تلاشت هيبة شرع الله في نفوسهم، واستهانوا بوعيده، وما زهدوا في الطاعات وفعل الخيرات إلا لأن ثقتهم في وعد الله الحسن للعاملين، ضعيفة او معدومة، لذلك يعيش اكثرهم المعيشة الضنك بالشقاوة النفسية والاجتماعية: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)(طه 124).
والناس في هذا الواقع ثلاثة:
* أهل الثقة بالله - تعالى -، على قدر معرفتهم به ويقينهم فيه، في وعده ووعيده، فهم عليه يتوكلون واليه ينيبون، ومن أجل رضاه ورضوانه يحيون ويعملون، شعارهم: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الانعام 162 163).
* وأهل ثقة بالله ناقصة واهية، تهتز عند الشدائد والابتلاءات، لضعف معرفتهم بالله ويقينهم فيه، فتنقطع علاقتهم بربهم وتوكلهم عليه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج 11).
* وفئة ثالثة لا ثقة لهم بالله مطلقا، لبعدهم عن الله - سبحانه -، جهلا وغفلة، فلا يعنيهم منه وعد ولا وعيد، وقد ملأت الدنيا قلوبهم، فلا يثقون الا بأنفسهم وما يملكون(نسوا الله فنسيهم) فكيف يدركون الشقاء الذي هم فيه لبعدهم عن الله: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(الحشر 19).
إن علاقتنا بالله - تعالى -قائمة أولا وأساسا على ما يملأ القلوب بعد الايمان من العبادات القلبية، وهي ثمار الايمان وما ينشأ عنه من المشاعر نحو الله - جل وعلا -، ومنها: الحب والاخلاص والخشية والرجاء واليقين والثقة والتوكل والرضا والانس وغيرها. فمتى كانت هذه الاعمال القلبية صحيحة صادقة، صح الايمان وقويت صلة المؤمن بربه، واستقامت له العبادات البدنية، وسما قدره في مدارج العبودية. ومع الأسف تجد هذا الاساس القلبي في العبودية والعبادة لا ينال الاهتمام المطلوب عند كثير من الناس الذين قد يتنافسون في الطاعات البدنية، ولكن بحرارة قلبية باهتة، وكيف تستقيم صلاة او صيام او ذكر على غير حرارة المحبة والاخلاص والثقة وغيرها؟ !.
فما هي حقيقة الثقة بالله؟ وما فضيلتها وثمارها على المؤمن الواثق بالله في نفسه ودينه وحياته؟
* فالثقة لغة: الائتمان، يقال وثق فلان بفلان إذا ائتمنه، لما علم عنه من أنه أهل لذلك، والثقة شرعا اقبال القلب على الله بالرضا والتسليم والاستسلام، اطمئنانا الى حكمه وحكمته، لا يخالطه شك ولا تردد، فيكون التعلق به وحده في ابتغاء الخير واتقاء الشر، مفوضا اليه الامر كله في السراء والضراء (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
والثقة بالله - تعالى -ثمرة معرفته، فمن عرف ربه يقينا وثق به ثقة مطلقة تسكن اليها نفسه ويطمئن قلبه راضيا. ومن ذلك الثقة بشمول علمه وكمال حكمته، وسعة رحمته، ومطلق قدرته ومشيئته، وأنه أعلم بعباده وأرحم بهم من أنفسهم، وأدرى بمصالحهم الدينية والدنيوية (ألا يَعلمُ مَن خَلقَ وهُو اللطيفُ الخَبيرُ) (الملك14). لذلك كانت الثقة واقعة بين قوة اليقين وهو منطلقها، وصدق التوكل على الله وهو نتيجتها.
ولأهمية الثقة بالله ومنزلتها في علاقتنا بالمولى - تعالى -، فإن ما نواجه من الابتلاءات ليس اختبارا لقوتنا الذاتية، بل هي اختبار لمدى ثقتنا بربنا وصدق توكلنا عليه، لذا فان الواثق بالله يحيا في كل أحواله على الرضا وسكينة النفس، لا يشقيه هم ولا غم، ولا يساوره شك ولا يأس، ما دام على يقين الاعتقاد أن له ربا عليما حكيما رحيما، يتولى أموره في السراء والضراء، وأنه لا حول له ولا قوة إلا به، في إيمانه وطاعاته، وفي صحته ومرضه، وفي غناه وفقره، وفي سعيه وكسبه وإنفاقه، وفي كل حياته ومماته: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام 162).
الواثق بالله على يقين أنه في جنب الله - تعالى -يملك كل شيء، وبغير الله لا يملك شيئا، وكل ما يأتيه بتدبير ربه فهو خير، شعاره: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة 216).
والقرآن الكريم يعلمنا حقيقة الثقة بالله، في مستواها الرفيع، من خلال سير الأنبياء والصالحين، وكذا في سيرة رسول الله وما اخبر به:
- خذوا مثالا رفيعا للثقة، من ابراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - الذي استجاب لربه بمطلق التسليم (إذْ قالَ لهُ ربُّهُ أسْلِم قال أسْلَمتُ لِربّ العالمين)، فلما ألقي في النار، قال بيقين الواثق بربه: "حسبي الله ونعم الوكيل" فجاء أمر الله بالفرج العاجل: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (الانبياء 69 70).
وهي الثقة التي رضيت فيها هاجر أم اسماعيل بحكم ربها، لما تركهما ابراهيم بواد غير ذي زرع بجوار مكان الكعبة، واخبرها انه أمر الله، فقالت: ((إذن لا يضيّعنا)) ففجر الله لها وابنها عين زمزم الذي ينعم ملايين الحجاج والمعتمرون ببركته الى اليوم، وجعل واقعة حيرتها بين الصفا والمروة ركنا خالدا من أركان الحج والعمرة.
وكذلك كانت ثقة الخليل وابنه اسماعيل أمام أمر الله - تعالى -لما جاءهما البلاء المبين، فرضيا بالذبح واستسلما لرب العالمين، فكان الفداء من السماء بذبح عظيم: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِين * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (الصافات 103 107).
- وانظر الى ثقة يعقوب - عليه السلام -، وقد فقد ابنه يوسف، ثم أخاه بنيامين، وأصابه العمى لفرط حزنه، لكنه لم يفقد الأمل، بل قال: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف 87). ولما رد الله عليه ابنيه وبصره: (قال ألَم أقُلْ لكُم إنّيَ أعلمُ منَ اللهِ ما لا تَعلَمونَ).
- وانظر الى أثر الثقة بأمر الله ووعده، في أم موسى، التي خافت على وليدها من بطش جنود فرعون، فاستجابت لربها فيما هو اشد على عاطفة الأمومة، راضية مطمئنة، والقت وليدها موسى في اليم، كما اوحى الله اليها، وهي على يقين أنه بيد العناية الالهية، وآثرت نداء الله على نداء العاطفة ومخاوفها: (وأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ) (القصص 7). وكان جزاء هذه الثقة العظيمة قوله - تعالى -: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (القصص 13).
- وهي الثقة بالله التي خاطب بها موسى قومه المذعورين، لما خرج بهم من مصر، وأدركهم فرعون وجنوده (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)(الشعراء 25) فكان جواب موسى الواثق من معية الله وعنايته: (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) فجاء الفرج حالا: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ َفكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ)(الشعراء 63 66).
- وانظروا الى يقين خير الواثقين بالله، محمد - صلى الله عليه وسلم -، يوم هجرته اذ هو في الغار مع صاحبه أبي بكر، وقد وقف جماعة من الكفار قبالة الغار، فارتجف أبو بكر، وقال: يا رسول الله، لو نظر أحدهم الى موطئ قدميه لرآنا، فأجابه النبي بلسان الواثق بربه ومعيته وعنايته: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا)) ذلك الحوار الذي خلده القرآن الكريم لما فيه من درس الثقة واليقين: (إلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة 40).
وهذه الثقة الصادقة الراسخة هي التي أهّلت الصحابةَ الكرام لثناء الله عليهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الاحزاب 23). أولئك الذين جاءهم المخذلون لترهيبهم بالجموع القادمة، فلم يزدادوا إلا إيمانا وتعلقاً بالله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (أل عمران 173 174).
كذلك المؤمن الواثق بربه، حسبه الله ونعم الوكيل، اليه يكل نفسه، ويسلم أمره، واثقا بوعده، راضيا بحكمه. وكذلك قال المؤمنون الواثقون يوم جاءهم الاحزاب بجحافلهم: (ولَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) الاحزاب 22). ولا غرابة، فتلك حال اولياء الله مع ربهم، وقد قال بعض السلف: " صفة الأولياء ثلاثة: الثقة بالله في كل شيء، والفقر إليه في كل شيء، والرجوع إليه من كل شيء ".
الخطبة الثانية:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ.)) رواه مسلم.
اذا كانت الثقة بالنفس عند الخبراء، هي سر النجاح، وباعث الأمل و الأمان، ومقاومة القلق والتشاؤم، فإن منبع كل أحوال الثقة عند المؤمن، هو في يقينه وصدق ثقته بالله - تعالى -، فهي طاقته في ثقته بنفسه، وفي سائر أعماله ومعاملاته. فثقته بربه مفتاح كل خير، وذلك لأن الخير كله عند الله. هنا مفترق الطريق بين أهل الثقة واليقين وغيرهم من ضعاف الثقة أو فاقديها.
فاذا كنت على ثقة ويقين، فكيف لا ترضى بشرع الله دستورا لحياتك، منقادا لأوامر ربك ونواهيه، وما هو إلا خير تؤمر بفعله، أو شر تنهى عنه، وإنما يعترض على حكم الله، ويضجر من أوامره، من لا ثقة له بربه، فيصرف ثقته لهواه من دون الله، (ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) (الاحزاب 36).
وإذا كنت على ثقة بالله صادقة، فأنت راض بقضائه، واثق من حكمته ورحمته فيما يقضي، مطمئن الى ما يأتيك منه في السراء والضراء، إن اصابتك سراء كنت له شاكرا، ولك جزاء الشاكرين، وإن اصابتك ضراء صبرت واحتسبت، ولك جزاء الصابرين، فإن البلاء إذا اشتد على أهل الإيمان قويت ثقتهم بالله - تعالى -ولم تضعف، لكن عديم الثقة بالله يحيا على الضجر من قضاء الله، لجهله بحكمة تدبير العليم الحكيم: (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).
ومع الثقة بالله لا يشقيك هم الرزق، ما دمت على اعتقاد ووثوق بان الله - تعالى -ضمن لك الرزق، وما عليك الا السعي والكسب الحلال: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (هود: 6). وقال - تعالى -: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الشورى: 12).
ومع الثقة بالله يقوى رجاؤك فيه ووقوفك بين يديه بالدعاء، وانت واثق انه - سبحانه - يجيب دعوة الداعي اذا دعاه بإخلاص، فلا يساورك تردد ولا ريب ولا سأم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة 186).
وإذا علمت حقيقة الثقة بالله، في كل ذلك وغيره، عرفت معنى قول الله - جل وعلا -: (فاصْبِرْ إنّ وَعْدَ اللهِ حقّ ولا يسْتخِفّنّكَ الذينَ لا يُوقِنونَ) نعم فالله حق ووعده حق، فلا يستخفنك أو يزعزع ثقتك في مولاك من لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا.
فاللهم اجعلنا من أهل الثقة بك والتوكل عليك وتفويض الامر كله اليك، انك نعم المولى ونعم النصير.