إِنَّ الْحَـــــــمْدَ لِلهِ تَعَالَى، نَحْمَدُهُ وَ نَسْتَعِينُ بِهِ وَ نَسْتَهْدِيهِ وَ نَسْــتَنْصِرُه
وَ نَــــعُوذُ بِالْلهِ تَعَالَى مِنْ شُــــرُورِ أَنْفُسِنَا وَ مِنْ سَيِّئَــــاتِ أَعْمَالِنَا
مَنْ يَـــهْدِهِ الْلهُ تَعَالَى فَلَا مُضِــــلَّ لَهُ، وَ مَنْ يُـضْلِلْ فَلَا هَــــادِىَ لَه
وَ أَشْــــــــــهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الْلهُ وَحْــــــدَهُ لَا شَــــــرِيكَ لَه
وَ أَشْـــهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، صَلَّى الْلهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَا
أَمَّـــا بَعْــــد:
[rtl]
{{منزلة الصدق والصادقين عند رب العالمين}}[/rtl]
[rtl]((للأمانة..الكاتب.أحمد عرفة))[/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl]
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.أَمَّا بَعْدُ:فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ، وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.
فإن من الأخلاق الحميدة والصفات الفاضلة التي دعا إليها الإسلام خلق الصدق، فما أحوجنا في هذه الأيام إلى التعرف على هذا الخُلق الكريم كي نتحلى به حتى ننال السعادة في الدنيا وفى الآخرة، فتعالوا بنا نتعرف على أهمية هذا الخلق في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في هذه المقالة المتواضعة.
أولاً: فضل الصدق في القرآن الكريم:
الصدق خصلة محمودة، وسجية ممدوحة، والصدق: هو أن يخبر الإنسان عما يعتقد أنه الحق، وأنه مطابق للواقع بلا زيادة ولا نقصان، بلا وكس، ولا شطط، وليس الإخبار مقصوراً على القول فحسب، بل قد يكون بالفعل: كالإشارة باليد، أو هز الرأس، وقد يكون بالسكون.
وإن المتأمل والمتدبر في آيات القرآن الكريم يجد أن المولى - سبحانه وتعالى - قد بين لنا عظم هذا الخُلق وأهميته ومكانته في آيات كثيرة منها:
1- أمر الله - سبحانه وتعالى - أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين وخص المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: الآية: 119]. قال أبو حيان الأندلسي - رحمه الله -: هو خطاب للمؤمنين، أمروا بكونهم مع أهل الصدق بعد ذكر قصة الثلاثة الذين نفعهم صدقهم وأزاحهم عن ربقة النفاق.
واعترضت هذه الجملة تنبيهاً على رتبة الصدق، وكفى بها أنها ثانية لرتبة النبوة في قوله: (فَأُوالَئاِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّانَ وَالصِّدِّيقِينَ)(تفسير البحر المحيط: جـ5صـ91). وقال الإمام الطبري عند تفسيره لهذه الآية: يقول - تعالى- ذكره للمؤمنين، معرِّفَهم سبيل النجاة من عقابه، والخلاصِ من أليم عذابه: (يا أيها الذين آمنوا)، بالله ورسوله (اتقوا الله)، وراقبوه بأداء فرائضه، وتجنب حدوده (وكونوا)، في الدنيا، من أهل ولاية الله وطاعته، تكونوا في الآخرة (مع الصادقين)، في الجنة. يعني: مع من صَدَق اللهَ الإيمانَ به، فحقَّق قوله بفعله، ولم يكن من أهل النفاق فيه، الذين يكذِّب قيلَهم فعلُهم (تفسير الطبري: جـ14 صـ558).
2- أخبر الله - تعالى -عن أهل البر وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم من الإيمان والإسلام وبالصدقة والصبر بأنهم أهل الصدق، فقال - جل وعلا -: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(سورة البقرة: الآية: 177).
وهذا صريح في أن الصدق بالأعمال الظاهرة والباطنة وأن الصدق هو مقام الإسلام والإيمان.
3- وقسم الله - سبحانه وتعالى - الناس إلى صادق ومنافق فقال - جل وعلا -: (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)(سورة الأحزاب: الآية: 24).
والإيمان أساسه الصدق والنفاق أساسه الكذب فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر، وأخبر - سبحانه - أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه(مدارج السالكين جـ2صـ269).
4- وأخبر - سبحانه - أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه قال - تعالى -: (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(سورة المائدة: الآية: 93). وقال - تعالى -: (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(سورة الزمر: الآية: 33).
فالذي جاء بالصدق هو من شأنه الصدق في قوله وعمله وحاله.
5- وقد أمر الله رسوله صلى عليه وسلم أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق فقال: (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا)(سورة الإسراء: الآية: 80).
6- وأخبر - سبحانه - عن خليله إبراهيم - عليه السلام - أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الآخرين فقال: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)(سورة الشعراء: الآية: 84).
7- وبَشّر الله - سبحانه وتعالى - عباده بأن لهم عنده قدم صدق ومقعد صدق فقال: (قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ)(سورة يونس: الآية: 2). وقال - تعالى -: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)(سورة القمر: الآيتان: 54، 55).
8- وقال - تعالى -: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)(سورة النساء: الآية: 70).
فهم الرفيق الأعلى وحسن أولئك رفيقا ولا يزال الله يمدهم بأنعمه وألطافه ومزيده إحساناً منه وتوفيقاً ولهم مرتبة المعية مع الله فإن الله مع الصادقين ولهم منزلة القرب منه إذ درجتهم منه ثاني درجة النبيين(مدارج السالكين: جـ2صـ269).
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام و كمال الصدق: لقد وصف الله - عز وجل - أنبياءه بالصدق في كتابه العزيز، فقال عن إبراهيم - عليه السلام -: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا)(سورة مريم: الآية: 41). وقال عن إدريس - عليه السلام -: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا)(سورة مريم: الآية: 56). وقال عن إسماعيل - عليه السلام -: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا)(سورة مريم: الآية: 54). وقال عن كليمه موسى - عليه السلام -: (حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ)(سورة الأعراف: الآية: 105) أي الصدق. وقال عن يوسف - عليه السلام -: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ)(سورة يوسف: الآية: 46). وقال في حق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)(سورة الأحزاب: الآية: 22). قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: ومن منازل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) منزلة الصدق.
وهو منزل القوم الأعظم، منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلاً إلا أرداه وصرعه، من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين، ومن مساكنهم في الجنات تجري العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين، كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين(مدارج السالكين: جـ2صـ268).
ثانياً: فضل الصدق في السنة النبوية المطهرة:
جاءت أحاديث كثيرة في السنة النبوية المطهرة تبين لنا فضل ومنزلة الصدق وجزاء الصادقين ومنها:
1- الصدق طريق إلى الجنة: عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً))(رواه البخاري ومسلم). قال الإمام النووي - رحمه الله -: قال العلماء: معناه أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم والبر اسم جامع للخير كله وقيل البر الجنة ويجوز أن يتناول العمل الصالح والجنة وأما الكذب فيوصل إلى الفجور وهو الميل عن الاستقامة وقيل الانبعاث في المعاصي قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) (شرح صحيح مسلم: جـ16 صـ160). وأخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)). قال الإمام النووي - رحمه الله -: قال العلماء: هذا فيه حث على تحري الصدق وهو قصده والاعتناء به وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فعرف به وكتبه الله لمبالغته صديقاَ إن اعتاده أو كذاباً إن اعتاده، ومعنى يكتب هنا يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم أو صفة الكذابين وعقابهم والمراد إظهار ذلك للمخلوقين إما بأن يكتبه في ذلك ليشتهر بحظه من الصفتين في الملأ الأعلى، وإما بأن يلقي ذلك في قلوب الناس وألسنتهم كما يوضع له القبول والبغضاء وإلا فقدر الله - تعالى -. (شرح صحيح مسلم: جـ16 صـ160).
2-الصدق طمأنينة: أخرج الإمام الترمذي في سننه بسند صحيح عن أبي الحوراء السعدي، قال: قلت للحسن بن علي: ما حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة )) (أخرجه الترمذي في سننه وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم 2518). قال الإمام المناوي - رحمه الله -: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((دع ما يريبك)) أي اترك ما تشك في كونه حسناً أو قبيحاً أو حلالاً أو حراماً ((إلى ما لا يريبك)) أي واعدل إلى ما لا شك فيه يعني ما تيقنت حسنه وحله ((فإن الصدق طمأنينة)) أي يطمئن إليه القلب ويسكن ((وإن الكذب ريبة)) أي يقلق له القلب ويضطرب (التيسير بشرح الجامع الصغير: جـ2صـ13).
3- الصدق منجاة: أخرج ابن أبى الدنيا عن منصور بن المعتمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تحروا الصدق وإن رأيتم أن الهلكة فيه، فإن فيه النجاة))(أخرجه ابن أبى الدنيا في مكارم الأخلاق باب في الصدق وما جاء في فضله وذم الكذب حديث رقم 133 وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم 2399).
قال الإمام المناوي - رحمه الله -: ((تحروا الصدق)) أي قوله والعمل به ((وإن رأيتم أن فيه الهلكة)) ظاهراً ((فإن فيه النجاة)) باطناً باعتبار العاقبة. (التيسير بشرح الجامع الصغير: جـ1صـ902). وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم))(أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب الرقاق حديث رقم 7947 وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 1718، وفى صحيح الجامع حديث رقم 873).
4-الصدق سبب من أسباب دخول الجنة: أخرجه الحاكم في المستدرك عن عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة؛ اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم))(صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 1901، 2416، وحسنه في صحيح الجامع حديث رقم 1018). قال الإمام المناوي - رحمه الله -: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اصدقوا إذا حدّثتم)) أي لا تكذبوا في شيء من حديثكم إلا أن ترتب على الكذب مصلحة ((وأوفوا إذا وعدتم)) فات الوفاء بالوعود والعهود محبوب مطلوب ((وأدّوا إذا ائتمنتم)) إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها ((واحفظوا فروجكم)) من فعل الحرام ((وغضوا أبصاركم)) أي كفوها عن النظر إلى كل محرم ((وكفوا أيديكم)) أي امنعوها عن تعاطي ما لا يجوز تعاطيه شرعاً(التيسير بشرح الجامع الصغير: جـ1صـ324).
ثالثاً: أنواع الصدق: إن للصدق أنواع عديدة فليس الصدق قاصراً على الصدق في القول فحسب بل هناك الصدق في القول، والصدق في النية، والصدق في العزم، والصدق في الأعمال وبيانها كالآتي:
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد والصدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به: تكون صديقية ولذلك كان لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وأرضاه: ذروة سنام الصديقية سمي الصديق على الإطلاق و الصديق أبلغ من الصدوق والصدوق أبلغ من الصادق، فأعلى مراتب الصدق:
مرتبة الصديقية وهي كمال الانقياد للرسول مع كمال الإخلاص للمرسل. (مدارج السالكين: جـ2صـ270).
1-الصدق في القول: فحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه ولا يتكلم إلا بالصدق، والصدق باللسان هو أشهر أنواع الصدق وأظهرها. وذلك لما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيراً، أو يقول خيراً )) (رواه البخاري ومسلم).
والصدق مطلوب في كل كلمة تخرج من فم المؤمن حتى لو كان الكلام على سبيل المزاح.
وذلك لما أخرجه أبو داود في سننه عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )) (حسنه الألباني في صحيح سنن أبى داود حديث رقم 4800).
2- الصدق في النية والإرادة: وذلك يرجع إلى الإخلاص، فإن مازج عمله شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية وصاحبه يجوز أن يكون كاذباً0 كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت ولكنك قاتلت ليقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار)).
فهؤلاء نيتهم كانت وجهتها إلى الدنيا وليس في عملهم أو نيتهم شيء لله - عز وجل -.
3- الصدق في العزم والوفاء به: أما الأول فنحو أن يقول: إن أتاني الله مالاً تصدقت بجميعه، فهذه العزيمة قد تكون صادقة وقد يكون فيها تردد، وأما الثاني فنحو أن يصدق في العزم وتسخوا النفس بالوعد لأنه لا مشقة فيه إلا إذا تحققت الحقائق وانجلت العزيمة وغلبت الشهوة، ولذلك قال - تعالى -: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(سورة الأحزاب: الآية: 23).
4- الصدق في الأعمال: وهو أن تستوي سريرته وعلانيته حتى لا تدل أعماله الظاهرة من الخشوع ونحوه على أمر في باطنه ويكون الباطن بخلاف ذلك. وكان أحد الصحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق، قالوا؟ وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب غير خاشع. وقال مطرف: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله - عز وجل - هذا عبدي حقاً.
رابعاً: من كلام السلف عن الصدق:
قال إبراهيم الخواص: الصدق لا تراه إلا في فرض يؤديه، أو فضل يعمل. وقال الحارث المحاسبي: الصادق الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق، من أجل صلاح قلبه، ولا يحب إطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله. وقال أبو تراب النخشي: إذا صدق العبد في العمل وجد حلاوته قبل أن يعمله، فإذا أخلص فيه وجد حلاوته وقت عمله كأنس بن النضر وجد ريح الجنة قبل أن يقاتل. وقال محمد بن سعيد المروزي: إذا طلبت الله بالصدق، آتاك الله - تعالى -مرآة بيدك، تبصر كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة. وقال أبو سليمان الداراني: اجعل الصدق مطيتك، والحق سيفك، والله - تعالى -غاية طلبتك. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أربع من كن فيه فقد ربح الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر، وقال بشر بن الحارث: من عامل الله بالصدق استوحش من الناس، وقال رجل لحكيم: ما رأيت صادقاً فقال له: لو كنت صادقاً لعرفت الصادقين0 وعن محمد بن علي الكناني قال: وجدنا دين الله - تعالى -مبنياً على ثلاثة أركان: على الحق والصدق والعدل فالحق على الجوارح والعدل على القلوب والصدق على العقول، وقال الثوري في قوله - تعالى -: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ)(سورة الزمر: الآية: 60). قال: هم الذين ادعوا محبة الله - تعالى -ولم يكونوا بها صادقين.
وأوحى الله - تعالى -إلى داود - عليه السلام - يا داود من صدقني في سريرته صدقته عند المخلوقين في علانيته. وقال بعضهم: أجمع الفقهاء والعلماء على ثلاث خصال أنها إذا صحت ففيها النجاة ولا يتم بعضها إلا ببعض الإسلام الخالص عن البدعة والهوى والصدق لله - تعالى -في الأعمال وطيب المطعم(إحياء علوم الدين جـ4صـ387). وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
[/rtl]