ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻄﺮﺡ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺍﻟﺘﻤﻴﺰ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﻤﺘﻐﻴﺮﺍﺗﻪ ﻭﺗﻨﻮﻉ ﻭﻗﺎﺋﻌﻪ ﻭﺃﺣﺪﺍﺛﻪ، ﻭﻳﺮﺳﻢ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ .
ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻘﺪﻡ ﻣﻨﻬﺞ ﻣﺘﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ، ﻭﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﻭﺍﻟﺘﺠﻤﻴﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺨﻼﺹ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ .
ﻟﻘﺪ ﻛﺸﻒ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﻭﺃﻛﺪ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻭﺛﻘﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻓﻔﻲ ﺍﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ ﻳﻮﺿﺢ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺳﻨﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻻ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﻭﻻ ﺗﺘﻐﻴﺮ، ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ، ﻓﻬﻮ ﻳﻨﻔﺮﺩ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺨﺼﺺ ﻟﻠﺒﻌﺪ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ – ﻣﺎﺿﻴﺎً ﻭﺣﺎﺿﺮﺍً ﻭﻣﺴﺘﻘﺒﻼً – ﻣﺴﺎﺣﺎﺕ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﻭﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻨﻘﻞ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ – ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ – ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺃﻧﺒﻴﺎﺋﻪ ﻭﺭﺳﻠﻪ .
ﻓﻴﺸﻐﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺮﺳﻞ ﺣﻴﺰﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻭﻫﻢ ﻣﺸﺒﻌﻮﻥ ﺑﺘﻌﺎﻟﻴﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻴﺮﺳﻤﻮﺍ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﻨﺬ ﺑﺪﺀ ﺍﻟﺨﻠﻴﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ، ﻓﻴﻌﻄﻲ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺗﺼﻮﺭﺍً ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎً ﻭﺍﺿﺤﺎً ﻟﻠﻜﻮﻥ ﻣﻨﺬ ﺑﺪﺀ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ،ﻣﺮﺗﺒﻄﺎً ﺑﺤﻠﻘﺔ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺮﺳﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ .
ﻭﻟﻘﺪ ﻗﺪﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺎﺩﺓ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ، ﻭﺇﻥ ﺗﻜﻦ ﻣﺠﻤﻠﺔ ﻭﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻹﺷﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﻠﻤﺤﺔ ﻭﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻘﺼﺺ، ﻭﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻮﻋﻈﺔ ﻭﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻣﺎ ﺃﺟﻤﻠﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﻓﺘﺤﺖ ﺑﺎﺑﺎً ﻣﻦ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺩﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ .
ﻭﺟﺎﺀ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﻦ ﺃﺳﺎﻃﻴﺮ ﺍﻷﻭﻟﻴﻦ، ﻭﻫﻲ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺴﻄﻮﺭ ﻣﻜﺘﻮﺏ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺃﻱ ﻟﻴﺲ ﺑﺠﺪﻳﺪ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻣﺆﺭﺥ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ، ﻭﺃﻧﻪ ﻳﺮﻭﻱ ﻗﺼﺼﺎً ﻭﺃﺣﺪﺍﺛﺎً ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﺫﻛﺮﻫﺎ ﻭﻛﺘﺒﻬﺎ .
ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻀﻢ ﺑﻴﻦ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﺒﻴﻨﺎﺕ ﺗﺎﺭﻳﺨﺎً ﻷﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻗﺒﻞ ﺑﻌﺜﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﺜﻞ ﻋﺎﺩ ﻭﺛﻤﻮﺩ، ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﻗﺼﺺ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ، ﻭﻗﺼﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻣﻦ ﺳﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﺀ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻗﺪﻳﻤﺎً ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻜﻬﻒ، ﻭﺳﺒﺄ .
ﻭﻗﺪ ﺃﻳﺪﺕ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﺎﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ – ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺄﻳﻴﺪ ﻗﻮﻟﻬﻢ – ﻓﺎﻟﻜﺸﻮﻑ ﺍﻷﺛﺮﻳﺔ ﺗﺜﺒﺖ ﺑﺎﻟﺸﻮﺍﻫﺪ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﻣﺎ ﻧﺰﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ .
ﻭﻳﻠﻘﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺿﻮﺀﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻭﺃﻫﻢ ﺍﻟﻌﻘﺒﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺍﺟﻬﺖ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻨﺸﺄﺓ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺗﻄﻮﺭﻩ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺣﻠﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﺣﺘﻰ ﺇﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﺪﻳﻨﻪ .
ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻄﺮﺡ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺍﻟﺘﻤﻴﺰ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﻤﺘﻐﻴﺮﺍﺗﻪ ﻭﺗﻨﻮﻉ ﻭﻗﺎﺋﻌﻪ ﻭﺃﺣﺪﺍﺛﻪ، ﻭﻳﺮﺳﻢ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻲ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﻜﻚ ﻭﺍﻟﺘﺸﺘﺖ، ﻓﻴﻤﻨﺢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﺮﺩﺍً ﺃﻭ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺴﺠﻢ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﻊ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺻﻌﻮﺩﺍً ﻷﺩﺍﺀ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﺗﺠﺎﻭﺯﺍً ﻟﻤﺜﺎﻟﺐ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ .
ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻊ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ :
ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺧﺎﻟﺪ ﻓﺎﺭﻭﻕ