شبكة غرداية التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى التعليم و التكوين الشامل
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 خَمْسٌ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خَطِيبًا بِهَا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
..:: صـــاحـب المنــتـدى ::..

..:: صـــاحـب المنــتـدى ::..



||•الجنس•|: : ذكر
||•مسآهمآتے•| : 3462
||تـقـييمےُ•|: : 1
تاريخ التسجيل : 24/01/2013

خَمْسٌ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خَطِيبًا بِهَا Empty
مُساهمةموضوع: خَمْسٌ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خَطِيبًا بِهَا   خَمْسٌ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خَطِيبًا بِهَا Empty7/2/2016, 8:26 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

خَمْسٌ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خَطِيبًا بِهَا 

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علمًا ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، أما بعد : 
معاشر الكرام : هذه ليلة طيبة إن شاء الله نقضيها مع حديث عظيم عن رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه دراسةً لمضامينه ، وتأملًا في معانيه ، وتدبرًا لهداياته ودلالاته .
إنَّ الحديث الذي سيكون مدار الكلام في هذه الليلة حديثٌ عظيم جدا للغاية له مكانته العظيمة ومنزلته العلية ، خرَّجه الإمام مسلم في كتابه الصحيح وغيره من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: ((إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)) .
وهذا الحديث -معاشر الكرام- من أجمع الأحاديث فيما يتعلق بالاعتقاد وخاصة الاعتقاد في الله سبحانه وتعالى إيمانًا به جل في علاه بصفاته العظيمة ونعوته الجليلة ، ومن ما شكٍ أن هذه المعرفة بالله عز وجل هي أساس الهداية والفلاح في الدنيا والآخرة ؛ فإن العبد كلما كان بالله أعرف كان منه أخوف ولعبادته أطلب وعن معصيته أبعد ، فلا غرو أن يكون من أعظم الركائز التي تبنى عليها دعوات النبيين عليهم صلوات الله وسلامه التعريف بالرب العظيم ؛ تعريفًا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ونعوته العظيمة ، وهذه المعرفة هي بوابة الهداية وبوابة الإقبال على الله عز وجل طاعةً وخضوعًا وتذللًا وانقيادًا لأمر الرب الجليل سبحانه وتعالى .
وتأمل رعاك الله في قول أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في هذا الحديث الجامع «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ» ؛ قام فينا: أي خطيبًا واعظًا مبينًا معلمًا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه . وقول أبي موسى «بخمس كلمات» فيه ضبطه لما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وإلمامه بما تلقاه عنه صلوات الله وسلامه عليه كلمةً كلمة ، فضبطها بهذا العدد أنها خمس كلمات قام فيها صلوات الله وسلامه عليه .
وفي هذا الحديث أن هذا القيام الذي قامه النبي عليه الصلاة والسلام -والمراد أي على قدميه واقفا ناصحًا ومعلمًا صلى الله عليه وسلم- انحصر في أمور الإيمان بالله معرفةً به وبأسمائه سبحانه وتعالى وصفاته ، فلم يزد في قيامه هذا على ذلك شيئا آخر من أمور الدين وعلومه العظيمة ؛ وهذا يستفاد منه فائدة ألا وهي : حاجة الأمة إلى مثل هذا القيام نصحًا للعباد بتعليم الاعتقاد وتعريف الناس بالله سبحانه وتعالى بأسمائه جل وعلا وصفاته العظيمة الدالة على كماله وجلاله وعظمته سبحانه ؛ وذلك أن القلوب إذا قلَّت فيها هذه المعرفة بالله عز وجل ضعف فيها الدين وقلَّ فيها التدين والإقبال على الله سبحانه وتعالى والخوف أيضا من عقابه وسخطه جل في علاه ، ولهذا فإن الناس بحاجة ماسة إلى مثل هذا التعريف بالله جل وعلا .
ويعد هذا الحديث أصلًا عظيمًا في إفراد الاعتقاد بالتعليم والتدريس ؛ بأن يُفرد له دروس خاصة وأن يُفرد لبيانه مؤلفات خاصة ومجالس خاصة اهتداءً بهدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام واقتداءً بسنته كما في هذا الحديث العظيم الجامع وغيره من أحاديثه عليه الصلاة والسلام التي إنما قامت على بيان هذا الأمر الذي هو أعظم الأمور وأجلُّها وأرفعها شأنا .
وهذا الحديث -معاشر الكرام- يعدُّ حديثًا جامعًا في بابه ؛ أعني باب المعرفة بالله عز وجل والتعريف بالرب سبحانه وتعالى ، فهو حديث أخلِص لذلك ، كما أن آية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله سبحانه وتعالى أخلصت للتعريف بالرب سبحانه وتعالى والدعوة إلى توحيده ، فذُكر فيها من أسماء الله الحسنى خمسة أسماء ومن صفاته ما يزيد على العشرين صفة ، فهي آية أخلِصت للتعريف بالرب سبحانه وتعالى فكانت أعظم آية في كتاب الله ، وما اجتمع في هذه الآية من تعريف بالرب لم يأت مثله في آية أخرى وإنما جاء في آيات متفرقات ، فهي أجمع آية في باب التعريف بالرب عز وجل ، ولهذا في قصة أبيّ ابن كعب رضي الله عنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ((أي آية معك من كتاب الله أعظم؟)) وكان حافظًا لكتاب الله كله ، فسكت رضي الله عنه قال «قلت الله ورسوله أعلم» ، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((يا أبي أي آية معك من كتاب الله أعظم؟)) قال : «قلت آية الكرسي {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] » قال فضرب بيده على صدري وقال ((ليهنك العلم يا أبا المنذر)) أي هنيئا لك هذا العلم العظيم الذي ساقه الله لك وأكرمك به .
والحديث الذي بين أيدينا معاشر الكرام حديثٌ أخلص لبيان هذا الأمر التعريف بالرب ، حتى إن أحد العلماء قال في هذا الحديث «مَعْنَاهُ مَسْبُوكٌ مِنْ مَعْنَى آيَةِ الْكُرْسِيِّ ، فَهُوَ سَيِّدُ الْأَحَادِيثِ كَمَا أَنَّهَا سَيِّدَةُ الْآيَاتِ» ؛ تنبيهًا منه على عظم شأن هذا الحديث وعظم المضامين التي اشتمل عليها . وعندما تتأمل في هذه الصفات التي جُمعت في هذا الحديث العظيم تجد أنها تلتقي مع ما جاء في آية الكرسي وما جاء في آي القرآن الأخرى في هذا الباب الشريف العظيم ؛ باب التعريف بالرب سبحانه وتعالى .
وفي هذا المقام نتنبه معاشر الكرام إلى أمر جليل القدر ؛ ألا وهو : أثر صحة الاعتقاد على استقامة العمل وصلاح السلوك ؛ فإن المعتقد كلما صح معرفةً بالله سبحانه وتعالى وإيمانًا به وأوصافه العظيمة وصفاته الجليلة كان في ذلك أكبر معونة للعبد على إقامة نفسه على طاعة الرب امتثالا لأمره واجتنابا لنهيه سبحانه وتعالى . وفي هذا الحديث أكبر معونة على تحقيق هذا المطلب الجليل .
وقد ذكر أبو موسى الأشعري تصديرًا لهذا الحديث وتنويهًا بأهميته أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فيهم بخمس كلمات ، والمراد بالكلمة: أي الجملة التامة ، فهي خمس جمل تامة المعنى بل فيها أجمع المعاني وأهمها ألا وهو التعريف بالله سبحانه وتعالى .
قال عليه الصلاة والسلام : ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ)) وهذه الجملة الأولى من جمل هذا الحديث في التعريف بالله ؛ ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ)) أي أنه سبحانه وتعالى منزهٌ عن النوم وعن مقدماته ، لأن النوم نقص ، فإنما ينام من هو محتاج للراحة ومحتاج للخلاص من العناء والتعب ، والنوم موتة صغرى ، ولهذا فإن من نام يقول بعد قيامه من نومه «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا» ، فهو موتة صغرى وهو دليل على نقص هذا الإنسان وضعفه وفقره وحاجته ، وأما الله سبحانه وتعالى فإنه غني غنى ذاتي من كل وجه ولا يلحقه في شيء من صفاته أي نقص سبحانه وتعالى . 
ولهذا فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الله لا ينام في هذا إثبات كمال حياة الله سبحانه وتعالى ، وفيه أيضا إثبات كمال قيوميته عز وجل ، ولهذا قال الله في آية الكرسي أعظم آية في القرآن: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } ، والسِنَة : هي بدايات النوم ومقدماته وهو النعاس ، والله منزهٌ عن ذلك كله لكمال حياته وكمال قيوميته ؛ فهو الحي الحياة الكاملة التي لم يسبقها عدم ولا يلحقها فناء ولا يعتريها نقص ولا تلحقها آفة من الآفات ، والقيوم أي القائم بنفسه المقيم لخلقه سبحانه وتعالى . ففي نفي النوم عنه إثباتٌ لكمال حياته وإثبات لكمال قيوميته سبحانه وتعالى . 
وهذه المعرفة بالله سبحانه وتعالى تدعو العبد إلى أنواع كثيرة من العبوديات وحسن الإقبال على الله ومن ذلكم: التوكل وتفويض الأمور {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }[الفرقان:58] ، ومن ذلك: المراقبة وإصلاح العمل لأن الديان لا ينام ، الديان المجازي المحاسب سبحانه وتعالى والديان اسم من اسمائه لا ينام ، وهو شهيد رقيب عليم خبير مطلع على العباد في كل وقت وحين .
إذا خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوتُ ولكن قل علي رقيب
فالمعرفة لله سبحانه وتعالى بهذا الوصف سبحانه وتعالى أنه سبحانه وتعالى منزه عن النوم لكمال حياته وكمال قيوميته سبحانه وتعالى بابٌ عظيم من أبواب حسن المعرفة بالله جل وعلا ، ولهذا كانت الآية التي هي أعظم آية في القرآن مصدرة بهذا { الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} . فهذا باب عظيم ينبغي أن يعنى به العبد معرفة بالرب جل في علاه .
ثم الجملة الثانية في هذا الحديث العظيم المبارك هي قوله ((وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ)) ؛ فكما أن النوم لا يقع والرب سبحانه وتعالى منزهٌ عنه فهو أيضا في حقه ممتنع ومستحيل ، لأن كلمة «لا ينبغي» كما أنها تأتي في الممنوع والمحظور شرعا فإنها تأتي أيضا في الممتنع المستحيل ، كقول الله سبحانه وتعالى في أواخر سورة مريم {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا(92)} أي هذا ممتنع في حقه ، ومثله قول نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث ((وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ)) أي أن هذا ممتنع في حق سبحانه وتعالى . ففيه تأكيد للمعنى الأول في هذه المعرفة العظيمة بالله سبحانه وتعالى وأن الواجب على العباد أن يعرفوا ربهم سبحانه وتعالى أنه لا ينام ، ولا ينبغي أن ينام ، فالنوم مستحيل وممتنع ، والرب سبحانه وتعالى منزه عن ذلك . ومن القواعد المتقررة عند أهل العلم في هذا الباب الشريف العظيم : أن كل نفيٍ يتعلق بصفات الله تبارك وتعالى فإنه مشتملٌ على ثبوت كمال ضد المنفي لله ، فهذا النفي للنوم «لا ينام» متضمنٌ ثبوت كمال ضد ذلك وهو كمال الحياة وكمال القيومية ، وهذا المعنى مقررٌ وبيِّن في آية الكرسي { الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} .
ثم الجملة الثالثة أو الكلمة الثالثة في هذا الحديث العظيم هي قول النبي صلى الله عليه وسلم في تعريفه بالرب قال: ((يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ )) ؛ وهذه الجملة فيها إثبات كمال عدل الله سبحانه وتعالى وكمال تدبيره وأن كل شيء بميزان وكل شيء بمقدار ، فهو عز وجل يدبر أمور الخلق بالعدل ؛ فلا ظلم ولا حيف ولا هضم.
((يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ )) القسط: هو الميزان والعدل ؛ فهو عدلٌ لا يظلم ، والأمور كلها بميزان فيما يتعلق بأعمال العباد وما يُرفع إليه منها كما سيأتي في الجملة التي بعده وفيما يتعلق بما هو نازلٌ منه للعباد من أرزاق ونِعم {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } [الحجر 21] ، فأرزاقه سبحانه وتعالى بمقدار ، وتدبيره بمقدار ، وأموره كلها قائمة على العدل في أحكامه وجزائه وتدبيره ؛ فوجب على العبد أن يكون على معرفة بربه سبحانه وتعالى وأن يدرك في هذا الباب أن هذه الحياة هي ميدان امتحان ودار ابتلاء ؛ يبتلي الرب سبحانه وتعالى العباد فيعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع ، ويقبض ويبسط ، ويعز ويذل {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29] تدبيرًا لكنه لا يظلم سبحانه وتعالى أحدًا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:46] ، فأموره كلها قائمة على العدل كلها بميزان وبمقدار . 
ولهذا ينبغي على العبد أن يكون معظمًا لله سبحانه وتعالى مقبلا عليه في شدته ورخائه في عُسره ويسره مؤمنًا بربه جل في علاه . وهذه حال المؤمن صادق الإيمان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ)) لأنه على حُسن معرفة بالله عز وجل وعلى درايةٍ بأنه في هذه الحياة في ميدان امتحان وابتلاء ، يبتلي سبحانه وتعالى العباد ، لكن أموره كلها بمقدار وأموره كلها بميزان ، وهو سبحانه وتعالى منزه عن العبث وأن يكون خلق هذا الخلق باطلا أو أوجدهم هملًا أو أن يتركهم سدى ؛ فهذا كله منزهٌ تبارك وتعالى عنه جل في علاه.
والجملة الرابعة أو الكلمة الرابعة في هذا الحديث قوله عليه الصلاة والسلام : ((يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ)) ؛ وهذا فيه إثبات علو الله على خلقه ، وأهل العلم يوردون هذا الحديث في مواطن عديدة من كتب الاعتقاد منها ما يتعلق بإثبات العلو علو الله ، فهو من أدلة العلو ، لأن الرفع إنما يكون إلى أعلى . قال ((يُرْفَعُ إِلَيْهِ)) أي إلى الله في علوه وعليائه جل في علاه .
((يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ)) وهذا فيه عرْض الأعمال على الله سبحانه وتعالى ، أعمال النهار تُرفع إلى الله وتعرض عليه قبل الليل ، وأعمال الليل ترفع إلى الله وتُعرض عليه قبل النهار . ومما يوضح هذا المعنى في هذا الحديث ما جاء في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ -أي إلى الله- فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ سبحانه وتعالى بِهِمْ -وأعلم منهم- كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ)) . فهذا يوضح معنى قوله ((يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ)) أي أن الملائكة التي وكل الله لها ذلك ترفع العمل ، فعمل النهار يُرفع بعد العصر، وعمل الليل يرفع بعد الفجر ؛ لأن هؤلاء الملائكة الذين وكل الله إليهم هذا الرفع يجتمعون في هاتين الصلاتين .
واستنبط من هذا الحديث بعض أهل العلم أن أفضل الأوقات هو بعد العصر ، لأن هذا الوقت وقتٌ معظم ووقت شريف جليل القدر ، لأن فيه رفعٌ لأعمال العباد ، وعادةً العمل يكون في النهار والليل غالبه في السكون والراحة ، هذا في الزمان الأول أما في زماننا تغيرت الأمور تغيرًا كبيرا وأصبح للناس في الليل شأن آخر يختلف عن الشأن في الزمان الأول ، مع الوسائل الحديثة من إضاءة وآلات لهو وغير ذلك .
فالحاصل أن وقت العصر ما قبل الغروب هذا وقتٌ عظيم وقتٌ ترفع فيه الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى ، ولهذا كان السلف رحمهم الله تعالى يعظِّمون هذا الوقت ويعتنون به عناية أكبر من غيره ، لأن الإنسان وما قدَّم في يومه ولاسيما أن التفريط كثير والتقصير غالب فيجتهد في خاتمة اليوم أن يقبِل على الله سبحانه وتعالى بالذكر والدعاء والمناجاة ليُرفع العمل على حسن إقبال على الله عز وجل وحسن طاعة وحسن تقرب لله عز وجل .
وهذا الرفع للعمل هو الذي يتعلق باليوم والليلة ؛ فإن عمل اليوم يُرفع في آخره وعمل الليل يرفع في آخره كما هو موضح في هذا الحديث ، أما ما يتعلق بعمل الأسبوع فإنه يرفع في يومي الاثنين والخميس ، والأعمال تُرفع فيما يتعلق بالسنة في شهر شعبان ؛ ولهذا كان يكثر عليه الصلاة والسلام من الصيام فيه لأنه شهر يرفع فيه العمل إلى الله عز وجل ، ثم يرفع العمل كله في خاتمة الأجل ومفارقة الحياة . ولهذا مثل هذه المواقف في الحياة تدعو العبد إلى الإصلاح من شأن نفسه وأعماله ؛ فإذا أمسيت لا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت لا تنتظر المساء ، وكن في مسارعة مع العمل والمسابقة إلى الخيرات ، لأن عمل الليل يُرفع قبل النهار ، وعمل النهار يرفع قبل الليل ترفعه الملائكة .
وهنا تأمل تأملا إيمانيًا عجيبا في هذا الباب ؛ الملائكة التي ترفع العمل إلى الله من الأرض إلى ما فوق السماء السابعة كم هي المسافات التي تقطعها!! وتُقطع في لحظات يسيرة في وقت يسير جدًا في زمن قصير لكنها مسافات متباعدة تزيد على السبعة آلاف سنة ، لأن ما بين الأرض والسماء مسيرة خمسمائة عام ، وما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام ، وسُمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام كما جاءت بذلك الأحاديث ، فهذا كله يقطعه هؤلاء الملائكة رفعًا لأعمال العباد في وقت يسير ؛ ((كيف تركتم عبادي؟ يقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون)) هذا في حال العبد المطيع الذي يصلي ، فما هو الشأن في ذاك العبد المفرط المضيِّع المخل بطاعة الله سبحانه وتعالى والتقرب إلى مولاه جل في علاه . 
فمن فوائد هذه المعرفة ((يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ)) أن يكون العبد في محاسبة لنفسه وفي مسارعة ومسابقة للخيرات والطاعات والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بسديد الأقوال وصالح الأعمال ، وأن يكون هذا التقرب مبني على العمل المشروع والطريق المأثور والهدي القويم المتلقى عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ليكون هذا رفعةً له عند ربه ومولاه سبحانه وتعالى .
ثم في الجملة الخامسة من هذا الحديث العظيم في التعريف بالله قال عليه الصلاة والسلام : ((حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)) ؛ وهذا فيه إثبات الوجه صفةً لله ، وإثبات البصر صفةً لله عز وجل ، وإثبات السبحات للوجه صفةً له ، وسبحات الوجه: أي بهاؤه وجماله .
قال ((حِجَابُهُ الضمير عائد إلى الله النُّورُ)) ؛ وهذا فيه إثبات الحجاب وذكر الحكمة منه قال (( لَوْ كَشَفَهُ أي الحجاب لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)) ، وبصره سبحانه وتعالى محيط بجميع المخلوقات العلوية والسفلية فلو كُشف الحجاب لأحرق العالم العلوي والسفي ، لكن حجابه النور .
فإذا قال القائل: فكيف إذًا تكون الرؤية يوم القيامة ؟ يقال هذا أمرٌ آخر ؛ فحال الأجسام في الآخرة حال مختلفة، فالله سبحانه وتعالى يعطي الأجسام حياة هي حياة بقاء لا موت فيها ولهذا يُذبح الموت كما جاء في الحديث بين الجنة والنار فهي حياة أبدية ، والله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم يشرف عباده المؤمنين وأولياءه المقربين بكمال في أجسامهم يتمكنون معه من نيل أعظم نعيم والفوز بأجل نعيم وهو رؤية الله ، ولهذا جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ)) ؛ فهذه كرامة يكرم الله سبحانه وتعالى بها أهل الإيمان ولا يتحقق هذا لأحد إلا يوم القيامة ، ولهذا لما سئل عليه الصلاة والسلام هل رأى ربه؟ قال ((نور أنى أراه)) لأنه بينه وبين الرؤية الحجاب الذي يُكشف يوم القيامة تكرمةً لأهل الإيمان عندما يعطيهم الله سبحانه وتعالى في تلك الدار قوة وقدرة تمكنهم من النظر إلى الله سبحانه وتعالى الذي هو أكمل نعيم وأجل نعيم ، ولهذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((اعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا)) .
ثم بالتأمل في هذه الجملة العظيمة من هذا الحديث يتحرك في قلب العبد الشوق إلى لقاء الله والنظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى قال : ((لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ)) سبحات الوجه: بهاء الوجه وجماله وحسنه وضياؤه ونوره؛ فهذه المعرفة تحرك في قلب العبد الشوق إلى ذلك ولهذا كان من دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام في خاتمة صلاته «وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» .
وفي هذا المقام أيضا يعتني العبد بالعبودية التي ينال بها هذا الموعود العظيم والفضل العميم كما هو موضح ذلك في قول النبي عليه الصلاة والسلام ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا)) أي إذا عرفتم الله عز وجل وأنه يكرم أولياءه وعباده بالنظر إليه يشرفهم بذلك هذا الشرف العظيم يوم القيامة فاعملوا الأعمال التي يُنال بها ذلك ، وأعظم ذلك الصلاة والمواظبة عليها والعناية بها في أوقاتها ؛ فإن من حافظ عليها كانت معونةً له على الأعمال الأخرى ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
الحاصل معاشر الكرام هذا حديثٌ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://point-e3tmd.0wn0.com
 
خَمْسٌ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خَطِيبًا بِهَا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبكة غرداية التعليمية :: ركن غرداية العام :: منتدى مواضيع العامة-
انتقل الى: