بسم الله الرحمن الرحيم
☆ سماحة الوالد العلامة محمد علي فركوس حفظه الله
والقرآن الكريم هو الجامع لأَسْمَى المبادئ وأَقْوَمِ المَناهِجِ وخيرِ النُّظُم، وهو خيرُ كفيلٍ بتكوين الفرد الكامل، وإعدادِ الأسرة الفاضلة، وإيجادِ المجتمع الصالح، والوسيلةُ الناجعةُ لإقامةِ الحقِّ والعدل، وإبعادِ الظلم، وصدِّ العدوان، ودفعِ الضلال والشقاء، قال تعالى: ﴿الٓمٓ ١ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ ٢ هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّلۡمُحۡسِنِينَ ٣﴾ [لقمان].
قال السعديُّ ـ رحمه الله ـ: «آياتُه مُحْكَمَةٌ، صدرَتْ مِن حكيمٍ خبيرٍ.
مِن إحكامها: أنها جاءَتْ بأَجَلِّ الألفاظ وأَفْصَحِها وأَبْيَنِها، الدالَّةِ على أجَلِّ المعاني وأَحْسَنِها.
ومِن إحكامها: أنها محفوظةٌ مِن التغيير والتبديل، والزيادةِ والنقص، والتحريف.
ومِن إحكامها: أنَّ جميع ما فيها مِن الأخبار السابقةِ واللاحقة، والأمور الغيبيةِ كُلِّها، مُطابِقةٌ للواقع، مُطابِقٌ لها الواقعُ، لم يخالفها كتابٌ مِن الكُتُبِ الإلهية، ولم يُخْبِرْ بخلافِها نبيٌّ مِن الأنبياء، ولم يأتِ ولن يأتيَ علمٌ محسوسٌ ولا معقولٌ صحيحٌ يُناقِضُ ما دلَّتْ عليه.
ومِن إحكامها: أنها ما أَمَرَتْ بشيءٍ إلَّا وهو خالصُ المصلحةِ أو راجِحُها، ولا نَهَتْ عن شيءٍ إلَّا وهو خالصُ المفسدةِ أو راجِحُها، وكثيرًا ما يجمع بين الأمرِ بالشيء مع ذِكْرِ حكمتِه وفائدتِه، والنهيِ عن الشيء مع ذِكْرِ مَضَرَّتِه.
ومِن إحكامها: أنها جمعَتْ بين الترغيب والترهيب، والوعظِ البليغ الذي تعتدل به النفوسُ الخيِّرةُ وتحتكم، فتعملُ بالحزم.
ومِن إحكامها: أنك تجد آياتِه المتكرِّرةَ ـ كالقصص والأحكام ونحوِها ـ قد اتَّفقَتْ كُلُّها وتَواطأَتْ، فليس فيها تَناقُضٌ ولا اختلافٌ؛ فكُلَّما ازداد بها البصيرُ تدبُّرًا، وأَعْمَلَ فيها العقلَ تفكُّرًا؛ انبهر عَقْلُه وذَهِلَ لُبُّه مِن التوافق والتواطؤ، وجَزَمَ جزمًا لا يُمترى فيه: أنه تنزيلٌ مِن حكيمٍ حميدٍ.
ولكِنْ ـ مع أنه حكيمٌ: يدعو إلى كُلِّ خُلُقٍ كريمٍ، وينهى عن كُلِّ خُلُقٍ لئيمٍ ـ أَكْثَرُ الناسِ محرومون الاهتداءَ به، مُعْرِضون عن الإيمانِ والعمل به، إلَّا مَن وفَّقَهُ اللهُ تعالى وعَصَمَه، وهُمُ المُحْسِنون في عبادةِ ربِّهم والمُحْسِنون إلى الخَلْق»(٦).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(٦) «تفسير السعدي» (٧٥٨).
[منزلة القرآن الكريم وخصائصُه بين المُنْتفِع بآياته والجاحد لها]