بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
من العادات الشنيعة المخالفة للشريعة الإسلامية والفطر المستقيمة حرمان المرأة من الميراث, وهذا العمل ليس من دين الله في شيء بل هو من أعمال الجاهلية ومن قبل حَرَمَ اليهود المرأة من الميراث إلا عند فقد الذكور, ففي سفر العدد الإصحاح 27 /8 - 11:وَتُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: أَيُّمَا رَجُل مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، تَنْقُلُونَ مُلْكَهُ إِلَى ابْنَتِهِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ابْنَةٌ، تُعْطُوا مُلْكَهُ لإِخْوَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِخْوَةٌ، تُعْطُوا مُلْكَهُ لإخوَةِ أَبِيهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لأَبِيهِ إِخْوَةٌ، تُعْطُوا مُلْكَهُ لِنَسِيبِهِ الأَقْرَبِ إِلَيْهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَرِثُهُ» .
ولما جاء الإسلام أبطل هذه العادة وأعطى لكل ذي حق حقه مثبتا للمرأة حقها من الميراث, قال سبحانه وتعالى: { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}سورة النساء 7.
يقول الإمام البغوي رحمه الله {1/396}: الآية نـزلت في أوس بن ثابت الأنصاري، توفي وترك امرأة يقال لها أم كُجّة وثلاث بنات له منها. فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووَصِيّاه سويدٌ وعَرْفَجة، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا، وكانوا في الجاهلية لا يورِّثون النساء ولا الصغار، وإن كان الصغير ذكرًا وإنما كانوا يورِّثون الرجال، ويقولون: لا نعطي إلا من قاتل وحاز الغنيمة، فجاءت أم كُجّة فقالت: يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك عليّ بنات وأنا امرأته، وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالا حسنًا، وهو عند سويد وعرفجة، ولم يعطياني ولا بناتي شيئا وهنَّ في حِجْري، لا يطعمن ولا يسقين، فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله ولدها لا يركب فرسًا ولا يحمل كلا ولا يَنْكَأَ عدوًا، فأنـزل الله عز وجل، ( لِلرِّجَال ) يعني: للذكور من أولاد الميت وأقربائه ( نَصِيبٌ ) حظ ( مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ ) من الميراث ، ( وَلِلنِّسَاء ) للإناث منهم، ( نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ ) أي: من المال، ( أَوْ كَثُرَ ) منه ( نَصِيبًا مَفْرُوضًا ) نصب على القطع، وقيل: جعل ذلك نصيبًا فأثبت لهنّ الميراث، ولم يبين كم هو، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سُويد وعرفجة « لا تفرقا من مال أوس بن ثابت شيئًا، فإن الله تعالى جعل لبناته نصيبا مما ترك، ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينـزل فيهن » ، فأنـزل الله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ فلما نـزلت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة « أن ادفع إلى أم كُجّة الثُّمن مما ترك وإلى بناته الثلثين، ولكما باقي المال » .
وقال سبحانه وتعالى:{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ }
يقول القرطبي في تفسيره ج 5 ص51: وقال مقاتل والكلبي : نزلت في أم كجة ؛ وقد ذكرناها . ويقول السّدي : نزلت بسبب بنات عبد الرحمن بن ثابت أخي حسان بن ثابت . وقيل : إن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون إلا من لاقى الحروب وقاتل العدو ؛ فنزلت الآية تبيينا أن لكل صغير وكبير حظه . ولا يبعد أن يكون جوابا للجميع ؛ ولذلك تأخر نزولها . والله أعلم .
ولما كان حرمان المرأة من الظلم الكبير توعد ربنا سبحانه فاعل ذلك بالنار وبئس القرار, قال الله سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}.
قال ابن زيد : نزلت في الكفار الذين كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار .{تفسير القرطبي ج5 ص 48}
ومن هؤلاء الذين حرموا المرأة من الميراث الزواوة{القبائل}, ظنا منهم أن الرجل أفضل من المرأة أو أن حرمانها من تمام المروءة والرجولة أو أن توريث المرأة تضيع للمال والله سبحانه نهى عن إضاعة المال, والمرأة لا تحسن التصرف في مالها بزعمهم وما إلى ذلك من الحجج الواهية والتي ما نزيد عنها إلا أن نقول لهؤلاء:{ ءأنتم أعلم أم الله }.
ولا يقولن أحد منا أن هذا الأمر ضرب من ضروب الخيال ولا يمكن أن يتصوره عاقل فوالله الذي استوى على العرش إن هذا الأمر لكائن اليوم بين الناس وإني لأعرف بعض الناس ممن يشهدون الصلوات معنا في المساجد تبرؤوا من أخواتهم بسبب أنهن طلبن حقهن من الميراث, بل كم من امرأة قتلت وكم من امرأة ضربت وشتمت وكم من امرأة قُطِعَت وتُخُلِّي عنها بسبب الميراث .
ومن أجل هذا بيّن لنا الشيخ أبو يعلى الزواوي – شيخ الشباب وشاب الشيوخ – رحمه الله سبب منع القبائل المرأة من الميراث:
ومنها عدم توريث قبائل تيزي وزو النساء بخلاف قسم بجاية(1) وسبب عدم توريث في القسم الأول أنه على ما حدثني والدي رحمه الله طارئ بعد وباء أوائل القرن السابع هلك فيه الكثير من العلماء فاتفقوا على أن يتولى العاصب إرث المخلف ويلتزم بالقيام بحقوق النساء وحمايتهن والنفقة عليهن ولو لم يترك لهن وليهن شيئا بدعوى أنه له حق التداخل لما عسى أن يصيبه من المعسرة إلى غير ذلك من الأسباب ووجده مكتوبا أي هذا الاتفاق في دفتر لما كان شيخا في قرية تافة نيث يحي وذكر هذا الأمر الشيخ الحسين الورتلاني الشهير بالصلاح أنه حدث في القرن الثامن فقط وهذا يؤيد ما رويته عن الوالد .
قلت يعني الشيخ أبو يعلى الزواوي: وكيفما كان لا يجوز مخالفة ركن عظيم في الشريعة كهذا لأنه بمقتضى الآية ويظهر لي أخيرا أنهم يعملون ذلك محافظة على تقسيم التركة وتبديد الثروة وكذلك يحكى عن الإنجليز ونقول لهم: أنتم أعلم أم الله .{ كتاب تاريخ الزواوة ص124}.
ونحن نقول كما قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: وكم من مريد للخير لن يصيبه .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله وحده .
وكتبه أبو عبد الرحمن أمين البجائي عفا الله عنه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): حتى قسم بجاية يحرمون المرأة من الميراث إلا من رحم الله .
- التصفية والتربية السلفية -