بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليم
تراجع ابن عثيمين رحمه الله عن تفسير قوله تعالى : { إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون } ، يعني التحدث عنه وذكر شأنه وحاله ولا يتعين أن تكون الآية دالةً على أنه يكون مكتوب .
قال العلامة الفقيه الأصولي محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه : ) شرح العقيدة السفارينية ( : فإن قال قائل : ألم يقل الله عز وجل : { إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون } ( الواقعة 77 – 78 )
وقال : { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } ( البروج 2 – 22 ) ، وهذا يدل على أن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ لأنه قال : { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ }
وقال أيضاً : { في كتاب مكنون ، لا يمسه إلا المطهرون } ( الواقعة 78 – 79 ) وهذا يقتضي أن الله كتبه في اللوح المحفوظ قبل أن يتكلم به وقبل أن ينزله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟
قلنا : هذه الآية : { إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون } ، { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } لا تدل على أنه مكتوبٌ في اللوح المحفوظ .
إذْ قد يكون المراد : ذكره والتحدث عنه وشأنه وعاقبته بدليل قوله تعالى : { وإنه لفي زبر الأولين } ( الشعراء : 196 ) : أي القرآن
اقرأ آية الشعراء : { وإنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين } ( البروج 192 – 196 ) .
وهل القرآن مكتوب في زُبُرِ الأولين ؟ أو مُتَحَدَّثٌ عنه في زُبُرِ الأولين ؟
مُتَحَدَّثٌ عنه ، فيكون قوله : { إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون } و { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } يعني التحدث عنه وذكر شأنه وحاله ولا يتعين أن تكون الآية دالةً على أنه يكون مكتوب .
والدليل على أنه لا يتعين : ما ذكرته لكم في قوله : { وإنه لفي زبر الأولين } : أي ذكره والتحدث عنه لا أن القرآن نفسه مكتوب هناك ، لأنه لو كان مكتوباً هناك لكان نازلاً قبل محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم بأعوام .
-قال محقق شرح العقيدة السفارينية ( إسلام منصور عبد الحميد ) , هذا الكلام ذكره الشيخ رحمه الله , في شرحه الأول على العقيدة الواسطية ( 2/198 ) الذي شرحه في سنة 1408ه , وقد شرح العقيدة السفارينية في سنة 1408 ه
ورجع عنه رحمه الله في شرحه الثاني على الأربعين النووية , في الشريط الحادي عشر في الوجه الثاني من الشريط , عند شرحه للحديث الثالث والعشرون عند قوله صلى الله عليه وسلم : " والقرءان حجة لك أو عليك "
فقال : وكونه في كتاب مكنون هل معناه أن القرآن كله كتب في لوح محفوظ ، أو أن المكتوب في اللوح المحفوظ ذكر القرآن وأنه سينزل وسيكون كذا وكذا؟
الجواب: الأول، لكن يبقى النظر كيف يكتب قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وفيه العبارات الدالة على المضي مثل قوله: ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ) (آل عمران: الآية121)
ومثل قوله: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ) (المجادلة: الآية1) وهو حين كتابته قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة لم يسمع قولها، لأن المجادلة لم تخلق أصلاً حتى تُسمَع مجادلتها؟
فالجواب: أن الله قد علم ذلك وكتبه في اللوح المحفوظ ، كما أنه علم المقادير وكتبها في اللوح المحفوظ وعند تقديرها يتكلم الله عزّ وجل بقوله كن فيكون، هكذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهو مما تطمئن له النفس.
وكنت قبلاً أقول : إن الذي في اللوح المحفوظ ذكر القرآن لا القرآن، بناءً على أنه يَرِدُ بلفظ المضي قبل الوقوع وأن هذا كقوله تعالى عن القرآن: ( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (الشعراء:196)
والذي في زبر الأولين ليس القرآن، بل ذكر القرآن والتنويه عنه، ولكن بعد أن اطلعت على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - جزاه الله خيراً - انشرح صدري إلى أنه مكتوب في اللوح المحفوظ ولامانع من ذلك .
ولكن الله تعالى عند إنزاله إلى محمد صلى الله عليه وسلم يتكلم به ويلقيه إلى جبريل. هذا قول السلف وأهل السنة في القرآن .
قال المحقق : وقد شرح الشيخ كتاب الأربعين النووية مرة ثانية في دورته الصيفية الأخيرة سنة 1421 ه التي قبل وفاته ببضعة أشهر .وشرحه موجود منتشر وعدد أشرطته 19 شريطا
والصحيح : ما رجع إليه الشيخ رحمه الله , وهو أن القرءان الكريم مكتوب كله في اللوح المحفوظ , وهذا هو قول أهل السنة والجماعة وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 12 /126/127 , 15 /223 )
فاقتضى ذلك التنبيه والتنويه على ذلك , والله أعلم . إه نقلا عن نسخة من موقع أهل الحديث .