موضوع: أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأسرى 7/2/2016, 8:30 am
[size=32]أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأسرى
تعدَّدت أساليب التعامل مع الأسرى من ديانة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، وإن كان الذي يغلب على الجميع -قبل ظهور الإسلام- هو القسوة والبطش والظلم، ورغم شيوع تلك الأساليب في التعامل مع الأسرى إلاَّ أن رسول الله لم يَحِدْ عن طبيعته الأخلاقية في التعامل معهم، فلم ينظر رسول الله إليهم مطلقًا على أنهم كانوا يريدون القضاء على الكيان الإسلامي بكل جوانبه بداية من قتلهم للرسول وانتهاء بإبادة المسلمين.
تعامل رسول الله مع أسرى بدر
ولننظر إلى حياة رسول الله لندرك عظمة أخلاقه في التعامل مع الأسرى فمن مواقف رسول الله الخالدة، ما فعله الرسول مع أسرى بدر؛ فمن المعلوم أن معركة بدر كانت المعركة الأولى بين المسلمين والمشركين، وقد تمَّ النصر فيها للمسلمين مع قلَّة عددهم وعُدَّتهم؛ بل إنهم مع هذا النصر أسروا من المشركين سبعين، وفيهم استشار رسول الله أصحابه في شأنهم، وماذا يفعل معهم؟ وهذا الأمر يرويه عمر بن الخطاب إذ يقول: قال أبو بكر : يا رسول الله، هؤلاء بنو العمِّ والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوةً لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عَضُدًا. فقال رسول الله: "مَا تَرَى يَابْنَ الْخَطَّابِ؟" قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تُمَكِّنني من فلان -قريب لعمر- فأضرب عنقه، وتُمكِّن عليًّا من عقيل[1] فيضرب عنقه، وتُمكِّن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه؛ حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم. فهوي الرسول ما قال أبو بكر، ولم يَهْوَ ما قلتُ -أي عمر- وأخذ منهم الفداء[2].
وعلى الرغم من نزول الآيات بعد هذا الموقف تعاتب رسول الله أنه أخذ بالرفق واللين مع هؤلاء الأسرى في هذا الموقف {لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] رغم ذلك؛ لم يكن هذا دافعًا لأن يسيء رسول الله معاملة هؤلاء الأسرى، أو يُغَيِّر من تعامله معهم بعد أن أخذ قرارًا بإعفائهم من القتل، وقبول الفدية ممن يستطيع منهم، وقد تفاوت مقدار هذه الفدية ونوعها بحسب حالة كل أسير.
فقد أطلق الرسول بعض الأسرى كعمرو بن أبي سفيان مقابل أن يطلق المشركون سراح سعد بن النعمان بن أكال ، الذي أسره أبو سفيان وهو يعتمر[3].
ومن الأسرى من كان يفدي نفسه بالمال، وكان رسول الله يراعي الحالة المادية لكل أسير، فمنهم من دفع أربعة آلاف درهم كأبي وداعة، وأبي عزيز واسمه زرارة بن عمير -وهو أَخٌ لمصعب بن عمير - دفعتها أُمُّه، وكانت صاحبة مال وفير، ومنهم من دفع مائة أوقية كالعباس بن عبد المطلب، ومنهم من دفع ثمانين أوقية كعقيل بن أبي طالب، وقد دفعها له العباس، ودفع بعض الأسرى أربعين أوقية فقط[4].
أما من لم يكن معه مال، وكان يعرف القراءة والكتابة فكان فداؤه أن يُعَلِّم بعض المسلمين القراءة والكتابة؛ فقد روى ابن عباس قال: كان ناسٌ من الأسرى يوم بدرٍ لم يكن لهم فداءٌ فجعل رسول الله فداءهم أن يعلِّموا أولاد الأنصار[5].
ومن هؤلاء الأسرى مَن مَنَّ الرسولُ عليه بغير فداء مثل: المطلب بن حنطب، وأبي عزة الشاعر، وصيفي بن أبي رفاعة[6].
وقد أَحسَنَ رسول الله أيضًا إلى سهيل بن عمرو صاحب المكانة والزعامة في قريش، ولم يشأ أن يهينه أو يُمثِّل به وإن كان قادرًا على ذلك، وقد أراد عمر بن الخطاب نَزْعَ ثنيتي سهيل بن عمرو حتى لا يقوم خطيبًا على الرسول في موطن أبدًا، فقال رسول الله : "لاَ أُمَثِّلُ بِهِ فَيُمَثِّلُ اللهُ بِي وَإِنْ كُنْتُ نَبِيًّا"[7].
[size=32][1] عقيل بن أبي طالب، وهو أخو علي بن أبي طالب، وكان عقيل آنذاك مشركًا في جيش الكفار.[/size] [size=32][2] ابن كثير: السيرة النبوية 2/457.[/size] [size=32][3] ابن كثير: البداية والنهاية 3/311.[/size] [size=32][4] ابن سعد: الطبقات الكبرى 4/14.[/size] [size=32][5] أحمد عن ابن عباس (2216)، وقال شعيب الأرناءوط: حسن. وقال الهيثمي: رواه أحمد عن علي بن عاصم، وهو كثير الغلط والخطأ، وقد وثَّقه أحمد. مجمع الزوائد 4/172.[/size] [size=32][6] ابن سيد الناس: عيون الأثر 1/352.[/size] [size=32][7] الحاكم 3/318، ابن هشام: السيرة النبوية 3/200.[/size] [size=32][8] خَتَنُ الرجلِ: المُتزوِّجُ بابنته. انظر: ابن منظور: لسان العرب مادة ختن 13/137.[/size] [size=32][9] ابن سيد الناس: عيون الأثر 1/351-352.[/size] [size=32][10] البخاري عن محمد بن جبير بن المطعم عن أبيه: كتاب الخمس، باب ما منَّ النبي على الأسارى من غير أن يُخَمّس (2970)، وأبو داود (2689)، والطبراني في الكبير (1504)، ورواه عبد الرزاق في مصنفه (9400)، ورواه البيهقي في سننه الكبرى (12616).[/size] [size=32][11] البيهقي: السنن الكبرى (17810)، ابن حجر: الإصابة 1/302، ابن الأثير: أسد الغابة 1/337.[/size] [size=32][12] ابن هشام: السيرة النبوية: 6/51.[/size] [size=32][13] انظر: ابن حجر: فتح الباري 8/88.[/size] [size=32][14] لقحة: الناقة الحلوب. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة لقح 2/579.[/size] [size=32][15] البخاري: كتاب أبواب المساجد، باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضًا في المسجد (450)، مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، واللفظ له (1764). والحنطة: القمح.[/size] [size=32][16] أخرجه الطبراني في الكبير (977), وفي الصغير(409), وقال الهيثمي: إسناده حسن من حديث أبي عزيز بن عمير. مجمع الزوائد 6/115.[/size] [size=32][17] ابن هشام: السيرة النبوية 1/616، 617. وانظر الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 4/27، والسهيلي: الروض الأنف 3/58.[/size] [size=32][18] محمد بن يوسف المواق: التاج والإكليل 3/353.[/size] [size=32][19] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/584.[/size] [size=32][20] ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/15، وابن كثير: السيرة النبوية 2/475.[/size] [size=32][21] يقدر عليه: بضم الدال، وإنما كان ذلك لأن العباس كان بَيِّنَ الطول، وكذلك كان عبد الله بن أبي. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/144.[/size] [size=32][22] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب كسوة الأسرى (2846)، والبيهقي في سننه الكبرى (18570).[/size] [size=32][23] ثياب المعقد: المُعَقَّدُ: ضَرْبٌ من بُرُودِ هَجَر. انظر: الزبيدي: تاج العروس باب الدال فصل العين مع القاف 9/62.[/size] [size=32][24] البيهقي: دلائل النبوة 5/264.[/size] [size=32][25] أصبحت بعد ذلك ناقة رسول الله r.[/size] [size=32][26] سابقة الحاج: أراد بها العضباء؛ فإنها كانت لا تُسبق أو لا تكاد تسبق، معروفة بذلك.[/size] [size=32][27] مسلم: كتاب النذر، باب لا وفاء لنذر في معصية الله (1641) وأبو داود (3316)، وابن حبان (4859)، والشافعي (1490)، والدارقطني (37) والبيهقي في سننه الكبرى (17845)، وأبو نعيم في الحلية 8/651.[/size] [size=32][28] الترمذي: كتاب السير، باب في كراهية التفريق بين السبي (1566)، وقال: حديث حَسَنٌ غريب. وأحمد (23546) وقال شعيب الأرناءوط: حسن بمجموع طرقه وشواهده. والحاكم (2334) وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه، والطبراني في الكبير(4080)، والبيهقي في الكبرى (18089)، وقال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الجامع (6412).[/size] [size=32][29] هو عبد الله بن ثابت الأنصاري، وكنيته أبو أسيد، وهو غير أبي أسيد الساعدي، كان يخدم النبي r، وروى عنه "كلوا الزيت وادهنوا به". انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 5/13، وابن حجر العسقلاني: الإصابة ترجمة رقم (9573).[/size] [size=32][30] الحاكم (6193)، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرَّجاه، ورواه سعيد بن منصور في سننه (2654).[/size]