فتحت عيني فوجدت نفسي في سريري الصغير كالعادة ، كان دبي اللعبة ذو اللون البني نائما بجانبي فأيقظته من النوم لأني لا أحب أن تكون ألعابي المفضلة نائمة عندما أصحو. تحدثت مع دبي قليلا ولاعبته حتى شعرت بالملل فقمت من فراشي متجها إلى غرفة الجلوس في بيتنا الصغير فلما لم أجد أحدا بدأت بالصراخ مناديا أمي. و أحسست بسعادة غامرة حين سمعت صوتها ترد علي من المطبخ بصوتها الحنون :" حسن تعال إلى هنا ياحبيبي وتناول إفطارك".
اتجهت مباشرة إلى المطبخ بخطوات متعثرة خجلة حتى التصقت بإطار الباب المفتوح فوجدت أمي تعد الإفطار فوقفت عند الباب أنظر إليها بفضول إلى أن انتهت من اعداد الإفطار.
نادتني أمي مرة أخرى: " تعال يا حبيبي حتى أقبلك" . ركضت إلى أمي محتضنا إياها وكأني أراها لأول مرة فقبلتني و أجلستني بجانبها على الكرسي. لم أكن أنظر إلى الطعام بل كنت أنظر إلى نافذة المطبخ و أتساءل عن سر الأصوات المنبعثة من خلف النافذة بينما كانت أمي تلقمني الطعام في فمي. لم أكن أحب الأكل لأني لم أكن أجده مسليا.
أخبرت أمي بأني اكتفيت و لا أرغب بأكل المزيد ولكنها ألحت بأنه يجب علي أن أنهي طعامي كله وإلا فإنني لن أصبح كبيرا ولن تصبح لدي عضلات قوية مثل أبي.
وما أن ذكرت أبي حتى سألتها: "أين أبي؟".
قالت:"إنه في العمل ياحبيبي".
قلت:" ومتى يعود ؟".
قالت:"سيعود عند الغداء".
قلت:" " هل سيحضر لي الحلوى؟".
قالت:"نعم سيحضر لك الكثير منها كما يفعل ذلك دائما".
ارتسمت ابتسامة جذل واسعة على شفتي وأنا أفكر بأشكال الحلوى اللذيذة التي سأمتلكها و كنت أود لو يحضر والدي حالا.
أخذتني والدتي مرغما إلى الحمام لأغتسل ومن ثم أعطتني كراسة و بعض الأقلام و أجلستني أمام التلفاز لأشاهد برامج الرسوم المتحركة بينما هي تقوم بتنظيف البيت. كنت مستمتعا بمشاهدة البرنامج الذي يحامي فيه البطل عن كوكب الأرض ويقوم بقهر الأشرار الفضائيين واحدا تلو الآخر حتى أنني وصلت إلى درجة كبيرة من الإندماج فقمت بأخذ قلم من الأقلام وصرت أركض وأقفز ملوحا بالقلم في الهواء متخيلا أنه صاروخ فضائي.
أصبت بإحباط عندما حانت نهاية البرنامج. كنت أتساءل دائما :"لماذا لا تستمر برامج الرسوم المتحركة إلى الأبد!؟". أمسكت بأحد الأقلام ورميته على الأرض معبرا عن سخطي. لم أشعر برغبة في الرسم لأنني كنت لا أجيده أبدا فصرفت النظر عنه وبدأت عملية البحث عن شئ أكثر متعة.
بدأت بالجري في أنحاء غرفة المعيشة من دون هدف واضح إلى أن لفتت نظري نقطة سوداء صغيرة تتحرك على الأرض بشكل غريب. اقتربت من النقطة قليلا فوجدت أنها نملة صغيرة تمشي بخطى حثيثة حاملة حبة من السكر. فبدأت بتتبعها زحفا على بطني وكنت بين الحين و الآخر أضع اصبعي أمامها لأعيقها عن المتابعة فكانت تصعد على أصبعي وتكمل الطريق بإصرار.
احسست بلمسات حانية تعبث بشعري فاستدرت بنظري إلى الخلف وإذا بأمي تداعبني..
سألتني:"ماذا تفعل يا حسن؟".
قلت:"أنظر يا أمي إلى النملة".
قالت:"إنها نملة صغيرة و جميلة".
قلت:" ماذا تحمل يا أمي؟".
قالت:" إنها تحمل الحلوى إلى أطفالها".
أطرقت برأسي إلى الأرض متسائلا:" لماذا تأخر أبي؟".
..................................................