شبكة الدفاع عن السنة / انشغلت دراسات إسرائيلية عدة، نشرها مؤخرا معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، بإظهار الخلافات القائمة في التحالف الروسي الإيراني في سوريا، واصفة إياها بـ"التشققات العميقة" في هذا التحالف، رغم التصريحات العلنية التي تصدر عن موسكو بأن تدخلها العسكري في سوريا موجه بالدرجة الأولى لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه من الناحية العملية فإن معظم الضربات العسكرية للطيران الروسي يستهدف باقي المنظمات المسلحة بهدف مساعدة نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
السفير الإسرائيلي السابق في أوكرانيا وروسيا تسافي ميغن كتب في ورقته البحثية أنه نتيجة لهذا التدخل الروسي في سوريا فقد نشأت بوادر خلافات في المصالح بين أعضاء هذا التحالف الموالي للأسد، ورغم صعوبة العثور على مثل هذه التباينات بين الحلفاء في الجانب العسكري، فإن قراءة فاحصة في الأداء السياسي لهم تظهر حجم الخلافات، على الرغم من أنه بعد عدة أشهر من التدخل العسكري الروسي في سوريا، والتحالف مع الإيرانيين، أظهر أن هذا التدخل تركز في السيطرة على مناطق حيوية شمالي سوريا، لاسيما في حلب وحمص ومنطقة الساحل.
وأضاف ميغن الذي يعتبر أحد رجالات الاستخبارات الإسرائيلية السابقين، أنه رغم وجود مؤشرات واضحة على خلافات بين أعضاء التحالف الروسي الإيراني في سوريا، فإن وجود تحديات متعاظمة تواجه هذا التحالف من قبل الدول العربية السنية والدول الغربية، لتثبيت مطالبها السياسية، يعمل على إطالة أمد ذلك التحالف ويوقف مسيرة انفراط عقده.
وأوضح أن إيران ليس لديها الكثير من الخيارات السياسية والعسكرية في سوريا، وليست بصدد الخروج من المسألة السورية، ولذلك ترى نفسها مضطرة للمضي قدما في التحالف مع روسيا، رغم ما تتجرعه أحيانا من بعض السلوكيات الروسية داخل سوريا، لكنها تفتقر لأي بديل أفضل منها في الوقت الحالي، ومع ذلك فإن إيران عازمة على عدم منح روسيا كامل الصلاحيات والتفويض في تحديد المستقبل السياسي لسوريا المستقبل، على حساب المصالح الإيرانية في سوريا نفسها، وباقي أنحاء المنطقة.
المنظومة الدولية
وأشار إلى أن الأحداث الأخيرة في المنظومة الدولية، وفي جبهات القتال داخل سوريا، تجعل التحالف الروسي الإيراني أمام اختبار جدي حقيقي بشأن مدى استقراره، بعد أن نشأ عمليا في سبتمبر/أيلول 2015، واتخذت روسيا قرارا إستراتيجيا بالتدخل العسكري في الحرب الأهلية السورية للمحافظة على نظام بشار الأسد، وقد وقفت في مقدمة هذا القرار جملة من المصالح الروسية في الشرق الأوسط وخارج حدوده، ومن ضمنها العمل على توسيع التأثير الروسي في قضايا المنطقة، والحفاظ على وجود بحري على ساحل البحر المتوسط، والعمل على إزاحة الموقف الأميركي من الشرق الأوسط، ولذلك جاءت الحاجة ملحة لإقامة تحالف مكون من روسيا وإيران وجيش الأسد وحزب الله والمليشيات الشيعية، التي تعمل جميعا على أنها إحدى أذرع إيران في المنطقة.
كما أشار رئيس وحدة التخطيط الإستراتيجي السابق في الجيش الإسرائيلي أودي ديكل، في بحثه، إلى أنه رغم التحالف التاريخي الإستراتيجي بين موسكو وطهران، منذ نشأة الجمهورية الإسلامية في إيران، فقد وجد الجانبان لغة مشتركة بينهما، على خلفية المساعدات الروسية لإيران في المجالات المختلفة، خاصة العسكرية والنووية، رغم مشاركة موسكو في بعض العقوبات الدولية على طهران.
وجاءت الرغبة الروسية في المحافظة على نظام الأسد المتهاوي لتزيد من عمق التعاون الإستراتيجي بين روسيا وإيران داخل سوريا، لا سيما بغرض محاربة "الإسلام الجهادي السلفي" الذي يهدد روسيا في أراضيها وعلى حدودها.
وأوضح ديكل الذي عمل لاحقاً رئيس دائرة المفاوضات مع الفلسطينيين، أنه رغم كل القواسم المشتركة بين الروس والإيرانيين داخل سوريا، فإن هناك نقاط افتراق من أهمها: مستقبل الأسد، وطبيعة الحراك السياسي مع الأسرة الدولية حول الفترة الانتقالية داخل سوريا، لأن موسكو وطهران تريان أن مصالحهما تختلف عند هذه النقطة بالذات، في حين أن جوهر التدخل الإيراني في سوريا جاء بسبب رغبتها في تصميم مستقبل الأخيرة بناء على احتياجاتها الأمنية، بما في ذلك تقوية المحور الشيعي، المكون من إيران والعراق وسوريا وحزب الله.
وهو ما يدفع طهران للمحافظة على النظام العلوي في دمشق، وتوفير الدعم الإيراني غير المحدود له، لأنه مكون إستراتيجي في الوجود الإقليمي لإيران، تمهيدا لكي تكون صاحبة تأثير إقليمي لا يمكن تجاوزه، بموازاة اللاعبين الآخرين: السعودية وتركيا، والدوليين الذين يعملون جميعا من أجل حل سياسي مختلف عما ترغب فيه طهران.
وأشار إلى أن روسيا من جهتها لديها مصالح مختلفة عن إيران، فروسيا ذهبت نحو سوريا لتطوير موقعها في السياسة الدولية، وتسعى لحل سياسي للمسألة السورية لتأمين موقعها من خلال زعزعة الموقف الغربي داخل المنطقة، ولا يبدو أن المحافظة على نظام الأسد شرط روسي أساسي، طالما أن مصالحها من دونه ستبقى قائمة، ولذلك تبدي السياسة الروسية تساهلا في هذه النقطة بالذات في غرف المفاوضات، وفي الوقت نفسه هناك خشية روسية متنامية من توجه إيراني نحو الغرب لإتمام اتفاقها النووي، وعقب تعاونها مع الولايات المتحدة في العراق وسوريا لمحاربة تنظيم الدولة.
الموقف الروسي
البروفيسورة سارة فينبرغ الأكاديمية الإسرائيلية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، كتبت أن إيران لا تبدي ابتهاجها من تقوية الموقف الروسي في سوريا، لأنه سيضر في النهاية بمصالحها على الصعيدين السياسي والعسكري، ولا تبدي إيران ارتياحا للتعاطي الروسي مع الغرب والدول العربية السنية بإشراكها في دور أكبر لسوريا المستقبل، ويبدو مثيرا أن روسيا تتجاوز كليا الموقف الإيراني في سوريا، حتى إن السلوك العسكري الروسي تجاه المليشيات الشيعية وحزب الله لا يبدو ودودا جدا، وهو ما تلاحظه إيران جيدا.
وأضافت في الوقت ذاته، يظهر السؤال الإيراني حول طبيعة التعاون الإسرائيلي الروسي، الذي يضرب أواصر الثقة بين طهران وموسكو، ويضع صعوبات أمام الجهود الإيرانية بالتعاون مع حزب الله لإقامة معقل لها في منطقة الجولان وجنوب سوريا، على اعتبار أن التعاون الروسي الإسرائيلي في سوريا يمنح إسرائيل حرية عمل واضحة في الأجواء السورية واللبنانية، رغم أنها مغطاة بمنظومات صاروخية أرض جو روسية، وهو ما يزيد من متانة التنسيق الجوي بين تل أبيب وموسكو فوق الأراضي السورية.
وجاءت عملية اغتيال سمير القنطار في غوطة دمشق المنسوبة لإسرائيل لتثير غضب إيران وحزب الله، لأن مثل هذه العملية لم تكن لتتم لولا التعاون الروسي الإسرائيلي، وهو تعاون يتفوق في أهميته على التحالف الروسي الإيراني الموالي للأسد، مما سيعمل في المستقبل على زعزعة هذا التحالف كلما نفذت إسرائيل ضربات أخرى داخل سوريا ضد ما تراها أهدافا معادية لها، وفي الوقت نفسه عدم قيام احتكاكات عسكرية بين سوريا وإسرائيل.
وختمت بالقول إنه في ضوء التطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط، قامت شراكات جديدة، فقد أقامت روسيا تحالفا مع إيران وحزب الله، وفي الوقت ذاته أقامت تفاهمات إستراتيجية مع إسرائيل، وفي ظل أن إيران لا تمتلك خيارات عديدة في سوريا فإنها تفضل في الوقت الراهن الإبقاء على تعاون ميداني مع روسيا، لكنها لن تفسح لها المجال لكي تكون صاحبة القرار الوحيد في تقرير مستقبل سوريا على حساب المصالح الإيرانية.