التعصب للأحزاب و الطوائف
لم يستخدم الشيخ الألباني لفظ التحزب و إنما استخدم لفظ ( التكتل ) بديلاً عنه حيث يعني بالتكتل خلاف ما يعنيه غيره إلا أنه أوضح أن هذا اللفظ ( التكتل ) يعني عند غيره لفظ ( التحزب ) .
وقال الشيخ إن الهدف الوحيد من هذا التكتل هو تجميع المسلمين كلهم على الكتاب والسنة . واستدل بقوله تعالى : { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . ( الأنعام : 153 ) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: يد الله مع الجماعة ( رواه النسائي و ابن حبان غيرهما و ذكره الألباني في صحيح الجامع برقم 5934 ) ( الألباني د.ت ، 1/594 ) . و كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية ) ( رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، و حسن الألباني في مشكاة المصابيح برقم 1067 ) ( التبريزي : 1405 هـ ، 1/ 235 ) .
و يقصد الشيخ بالتكتل قوله : نحن نريد بالتكتل أن يتعاون المسلمون على فهم الكتاب والسنة و على تطبيقه في حدود استطاعتهم و نريد من هذه الكلمة ما يراد من كلمة الحزبية في العصر الحاضر . ( الألباني : سلسلة الهدى والنور )
سلبيات التعصب للأحزاب و الطوائف :
يذكر الشيخ الألباني العديد من سلبيات التحزب و يحث المسلمين على تجنب هذه السلبيات قائلاً : " إن الإسلام يحارب هذا التفرق الذي ينافي التكتل ، ولكن التكتل ينافي التحزب أيضاً ، لأن التحزب يعني التعصب لطائفة من الطوائف الإسلامية ضد الطوائف الأخرى ، ولو كانوا على الحق فيما هم سائرون فيه " ( الألباني : سلسلة الهدى والنور ) . و نذكر جملة من هذه السلبيات :
1- معاداة من لا ينتمي للحزب :
يبين الشيخ الألباني أن من آثار سلبيات التعصب للطوائف و الأحزاب أنهم يعادون من لم يكن في تكتلهم و في منهجهم و لو كان أخاً مسلماً صالحاً ، فهم يعادونه لأنه لم ينضم لهذا التكتل الخاص أو التحزب الخاص . ( الألباني : سلسلة الهدى والنور )
2- الهيمنة الفكرية و عدم إعطاء الحرية لأفراد الحزب :
قال الشيخ الألباني : قد وصل بهم أن حزباً منهم يفرض على كل فرد من أفراد الحزب أن يتبنوا أي رأي يتبناه الحزب مهما كان هذا الرأي لا قيمة له من الناحية الإسلامية . و إذا لم يقتنع ذلك الفرد برأي من آراء الحزب . فُصل ولم يعتبر من هذا الحزب الذين يقولون أنه حزب إسلامي . و معناه أنهم يعودون إلى ما يشبه اليهود والنصارى في اتباعهم لأحبارهم و رهبانهم في تحريمهم و تحليلهم . فقد قال الله تعالى : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ( التوبة : 31 ) . ( الألباني : سلسلة الهدى والنور )
سبب التعصب للأحزاب والطوائف :
يرى الشيخ الألباني أن هناك سبباً رئيساً أدى إلى ظهور التعصب للأحزاب والجماعات والطوائف يتمثل في عدم تبني الكتاب و السنة و نهج السلف الصالح نظاماً و منهاجاً عملياً . وقد أوضح الشيخ هذا الأصل في حديثه عن الأحزاب الموجودة اليوم أو الجماعات القائمة على الأرض الإسلامية فقد تعددت مناهجها و اختلفت نظمها اختلافاً كبيراً .
بين الشيخ رحمه الله أن " لفظة الأحزاب ليس على منهج الإسلام الذي قال ربنا عز وجل : { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32} ( الروم : 32،33 ) . وقال في آية أخرى أن حزباً واحداً هو الذي يكون الحزب الناجح و الحزب الفالح وهو قوله تبارك و تعالى : { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( الأنعام : 153 ) ، فالأحزاب كثيرة و السبل عديدة ،و الآيتان تلتقيان في ذم التعدد الحزبي و التعدد الطرقي . ويبين ربنا عز وجل في كل منهما بصراحة أن الطريقة الموصلة إلى الله عز وجل إنما هو طريق واحد . و لقد زاد النبي صلى اله عليه وسلم كغالب عادته مع كثير من آيات ربه ، فزاد بياناً تلك الآيتان بمثل قوله صلى الله عليه وسلم و قد كان جالساً بين أصحابه جلسته الدالة على تواضعه ، كان جالساً على الأرض فخط عليها خطاً مستقيماً و خط حول هذا الخط المستقيم خطوطاً قصيرة ثم قرأ : { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( الأنعام : 153 ) ، ثم قال وهو يمر أصبعه الشريفة على الخط المستقيم . هذا صراط الله وهذه طرق على رأس كل طريق منها شيطان يدعوا الناس إليه . أما الحديث الآخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم : تفرقت اليهود على إحدى وسبعين و تفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة و ستفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة . قالوا من هي يا رسول الله ؟ قال هي الجماعة و في رواية أخرى ما أنا عليه و أصحابي . ( الترمذي : د . ت ، 5 / 26 ) وهذا الحديث يؤكد أن النجاة لا تكون بالتفرق والتحزب إلى أحزاب وشيع و طرق شتى و إنما بالانتماء إلى طريق واحدة و بسلوك طريق واحدة ألا وهو طريق محمد صلى الله عليه وسلم .
لا يبقى بعد ذلك إلا حزب واحد أثنى عليه الله عز وجل في القرآن { فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } ( المائدة : 56 ) . و الذي يرغب أن يكون في هذا الحزب الذي كتب له الفلاح في الدنيا و الآخرة فلا يمكن أن يحقق ذلك في نفسه إلا إذا عرف علامة هذه الحزب و نظامه ومنهجه " . ( الألباني : سلسلة الهدى والنور )
و يبين الشيخ سمات هذا الحزب فيقول : إذا كان الطريق الموصل إلى تحقيق هذا الحزب واحداً فلا بد كذلك أن يكون المنهج واحداً . فإذا تعددت المناهج لتلك الجماعات أو الطوائف والأحزاب ، فلا شك أن التعدد لهذه المناهج فرع لتعدد الأحزاب و الجماعات .
وبين الشيخ رحمه الله أن قوله النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما أنا عليه وأصحابي ) في وصفه للفرقة الناجية في غاية الأهمية ، وأن سبيل هذه الفرقة الناجية ليس ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم فحسب بل إضافة إلى ذلك ما كان عليه أصحابه رضي الله عنهم . ( الألباني : سلسلة الهدى والنور ) فلذا على جميع التكتلات الإسلامية الموجودة أن تقتدي بالصحابة .
سبل علاج التعصب للأحزاب والطوائف والجماعات :
وجد الباحث مجموعة من آراء الشيخ حول علاج هذا التعصب للأحزاب و الجماعات والطوائف ، وكانت هذه الآراء على النحو التالي :
1- أن يقوم على هذا التكتل مجموعة من العلماء :
يقول الشيخ ناصر الدين رحمه الله : مشكلة أي تكتل في العالم الإسلامي هو فقدهم للعلماء الكثيرين ، فلا يكفي و احد أو اثنان أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة ، و إنما يجب أن يكون هناك العشرات من العلماء و ذوي الاختصاصات المختلفة . فالتكتل الإسلامي يحتاج إلى أناس قد أوتوا حظاً من العلوم الضرورية . فهو ( التكتل ) يحتاج إلى أفراد مختلفين من كافة الاختصاصات . ينبغي أن لا نتصور أن من كان خطيباً مفوهاً أن يكون عالماً بالكتاب والسنة ، كما لا ينبغي أن نتصور العكس تماماً ، أن من كان عالماً بالكتاب و السنة أن يكون خطيباً مفوهاً ، أو أن يكون قد جمع العلوم كلها . أن يتوفر في شخص واحد كل المتطلبات التي تتطلبها الدعوة فهناك أفراد قليلون جداً جداًَ يعدون على الأصابع ، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية . فهذا النقص الموجود في مجموع الأفراد إنما يكون بتكتل هؤلاء الأفراد و تطعيم كل علم بالآخر مما قام في مجموعة من الأفراد . ( الألباني : سلسلة الهدى والنور ،1/320 )
2- أن يكون هذا التكتل قائماً على الكتاب والسنة :
فيرى الشيخ الألباني أنه بعد تجمّع هؤلاء العلماء من كافة الاختصاصات فإن أول أمر يجب عليهم أن يهتموا به عند إقامة أي تكتل هو " أن يكون هذا التكتل قائماً على الكتاب والسنة .
فقال رحمه الله : علينا أن نسعى لإيجاد هؤلاء الأشخاص ثم أن يتكتلوا على عقيدة و على كلمة سواء و أن يسعوا في تطبيق هذا المنهج . ( الألباني : سلسلة الهدى والنور ، 1/320 )
3- أن يعطي هذا التكتل الحرية العلمية للأفراد :
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله : ينبغي على أي تكتل إسلامي صحيح أن يعطي للأفراد حريتهم العلمية . فلا مانع أن يكون في ذلك التكتل الإسلامي شخصان أحدهما يخالف الآخر . لأننا نعتقد ( أن كل خير في اتباع من سلف و كل شر في ابتداع من خلف ) فقد كان في السلف الأول نوع من الاختلاف في بعض المسائل الشرعية . فما كان ذلك بالذي يلزم الحاكم المسلم بأن يفرض رأيه على كل مسلم يتبناه ولو كان مخالفاً لرأي الفرد . ( الألباني : سلسلة الهدى والنور ، 1/320 )
4- أن يفهم أفراد هذا التكتل الإسلام فهماً صحيحاً و يربوا عليه :
بين الشيخ الألباني أهمية أن يولي هذا التكتل اهتماماً كبيراً بأن يعمل على تكتيل جماعة من المسلمين يفهمون الإسلام فهماً صحيحاً في كل فروعه و أصوله و يربون أنفسهم على ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم في أول بعثته . ( الألباني : سلسلة الهدى والنور ، 1/322 ) .
5- الاهتمام الأكبر بالنوع لا بالعدد :
أكد الشيخ الألباني على أن يهتم هذا التكتل بالأفراد وقد عاب الشيخ رحمه الله على بعض الأحزاب و التكتلات التي تجمع بين السني و البدعي ، وبين السلفي و الخلفي . بل قد يكون في بعضهم من هو ليس من أهل السنة والجماعة . ( الألباني : سلسلة الهدى والنور ، 1/791 – 792 ) . لذا فعلى القائمين على التكتلات الإسلامية أن يهتموا بأن يكون أفراد هذا التكتل من أهل السنة و الجماعة أصحاب المنهج السلفي حيث قال رسول الله صى الله عليه وسلم في بيان الفرقة الناجية : ( إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي ) . ( الترمذي : د . ت ، 5 / 26 ) .
-----------------------------
(*) جزء من دراسة علمية