Admin
..:: صـــاحـب المنــتـدى ::..
||•الجنس•|: : ||•مسآهمآتے•| : 3462 ||تـقـييمےُ•|: : 1 تاريخ التسجيل : 24/01/2013
| موضوع: موضوع: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ 13/6/2013, 11:22 am | |
|
.المنهج عند "محمود شاكر" ما هو (1)؟ " كان منهجي ، كما نشأَ و استتبَّ في نفسي، كان منهجاً يحمِلُ بطبيعة نشأته رفضاً صريحاً واضحاً قاطعاً غير مُتَلَجلج، لأكثر المناهج الأدبية التي كانت فاشيةً و غالبةً و صار لها السيادةُ على ساحة الأدب الخالص و غير الأدبِ الخالص إلى يومنا هذا، كما حدّثتُك آنفا (الفقرة:1). فلكي تكونَ على بيّنة مرة أخرى... فاعلَمْ، قبل كل شيء، أنّ تسميتها "مناهج"، تجاوزٌ شديدُ البعد عن الحقيقة، و فسادٌ غليظ و خَلْطٌ، إذا كنتَ تريد أن تكونَ على ثقةٍ من معنى هذه الألفاظ التي تجري الآن بيننا، و لكن قد كان ما كان، فهكذا اصطلحوا على تسميتها ! و قديما تناولتُ لفظَ "المنهج" ، و حاولتُ البيانَ عنه فقلتُ: (2) " و لفظُ المنهج"، يحتاج مني هنا إلى بعض الإبانة ، و إن كنتُ لا أريدُ به الآن ما اصطلح عليه المتكلمون في مثل هذا الشأن ، بل أريد به "ما قَبْلَ المنهج"، أي الأساس الذي يقومُ "المنهج" إلا عليه. "فهذا الذي يُسمى "منهجاً" ينقسم إلى شطرَين: شطرٍ في تناول المادة، و شطرٍ في معالجة التطبيق. " فشطر المادة يتطلب قبل كل شيء جمعها من مظانِّها على وجه الاستيعاب المتيسّر، ثم تصنيف هذا المجموع، ثم تمحيص مفرداته تمحيصاً دقيقا، و ذلك بتحليل أجزائها بدقة متناهيةٍ، و بمهارةٍ و حِذقٍ و حذرٍ، حتى يتيسَّرَ للدارسِ أن يرى ما هو زيفٌ جلياً واضحا، و ما هو صحيح مستبينا ظاهرا، بلا غفلة و بلا هوى، و بلا تسرّع. "أما شطرُ التطبيق،فيقتضي ترتيبَ المادة بعد نفيِ زيفِها و تمحيصِ جيِّدها، باستيعابٍ أيضا لكل احتمالٍ للخطأ أو الهوى أو التسرّع.ثم على الدارس أن يتحرّى لكل حقيقةٍ من الحقائق موضعاً حو حقُّ موضعِها ، لأنّ أخفة إساءة في وضعِ إحدى الحقائق في غير موضعها، خليق أن يُشوِّهَ عمودَ الصورة تشويهاً بالغَ القُبح و الشناعة". و أزيدُك الآن: أنّ "شطر التطبيق" هو الميدان الفسيح الذي تصطرع فيه العقولُ، و تتناصَى الحُجَجُ،(أي أن تأخذ الحُجَّة بناصية الحجّة كفِعل المتصارعين)، و الذي تسمع فيه صليلَ الألسنة جهرةً أو خُفية، و في حَوْمته تتصادم الأفكارُ بالرّفقِ مرة و بالعنف أخرى،و تختلف فيه الأنظار اختلافاً ساطعاً تارة، و خابياً تارة أخرى، و تفترق فيه الدروبُ و الطُّرق أو تتشابكُ أو تلتقي . هذه طبيعة هذا الميدان، و طبيعةُ النازليه من العلماءِ و الأدباءِ و المفكّرين. و عندئذٍ يمكنُ أن يَنشأَ ما يُسمّى "المناهج و "المذاهب". و لكي لا تقعَ في الوهم و الضلال، و لكي لا يُغرّر بك أحدٌ من المتشدقين من أهل زماننا هذا بالثرثرة ، فاعلَمْ أنّ حديثي هنا هو عن الذي يُسمى "المنهج الأدبي" على وجهِ التحديد = أي: عن المنهج الذي يتناول الشعرَ و الأدبَ بجميع أنواعه، و التاريخَ، و علمَ الدين بفروعه المختلفة، و الفلسفة بمذاهبها المتضاربة، و كلَّ ما هو صادرٌ عن الإنسان إبانةً عن نفسه و عن جماعته = أي يتناول ثقافتَه المتكاملة المتحدِّرَة إليه في تيّار القرون المتطاولة و الأجيال المتعاقبة .و وِعَاءُ ذلك كلِّه و مستقَرُّه هو اللغة و اللسانُ لا غيرُ. فإيّاك إياك أن تنسى ذلك، و اجعَلْهُ منك على ذُكْرٍ أبدا. و اذكُرْ أيضا أنّ هذا الذي أقوله لك ههنا عن "المنهج"، إنما هو أصلٌ أصيلٌ في كل أمة، و في كل لسانٍ، و في كل ثقافةٍ حازها البشرُ على اختلافِ ألسنتهم و ألوانهم و مِللهم و مواطنهم.
أصول " ما قبل المنهج":اللغة و أسرارها،الثقافة و أسرارها،"البراءة" من "الأهواء"[/center] ..أما "آدابُ اللسان"، فإنّ الناسَ لا يحتاجون إلى ما سمّيتُه "ما "قبل المنهج" إلا بعد أن تستوفي "الآدابُ" نموَّها عن طريق "اللغة" التي هي وِعاءُ المعارف جميعا، و بعد أن تستوفيَ أيضا نموَّها عن طريق "الثقافة" التي هي ثَمَرَةُ المعارف جميعا، و بعد أن تستوفي حظّاً من القوة و التماسك و الشمول و الغَلَبة على أصحابِ هذه "اللغة" و هذه "الثقافة"= حتى يُحتاجَ عندئذ إلى إعادةِ النظر للفصل بين تداخُل أطرافها بعضِها في بعض ، طلباً لتصحيحِ المَسيرة، و طلباً للوضوح، و طلبا للنهج السّوي و الطريق المستقيم. فهذا، كما ترى، ميدانٌ لا يُطيق النزول في أرضِه و بحقِّه، إلا من أُوتي حظّاً وافراً من البصر النافذ، و الإخلاصِ المتجرّد لطلبِ الحق و إدراكِه. و بطبيعة هذا الميدان، تدخلُ نفسُ النازلِ في أرضه عاملاً حاسماً في شطْرَي " ما قبل المنهج": تدخلُ أولا من طريق معرفة "اللغة" التي نشأ فيها صغيرا = و تدخل ثانياً من طريق "الثقافة" التي ارتضعَ لِبانَها يافِعاً = و تدخلُ ثالثا من طريق "أهوائه" و منازِعه التي يملك ضبطَها أو لا يملكه، بعد أنِ استوى رجلا مُبيناً عن نفسه. فهذا الثالث هو موضع المخافة، الذي يستوجب الحَذَر، و يقتضيك حُسْن التحرّي."
-------------------------------- 2. المنهج عند "طه حسين".. ما هو ؟ " أحبّّ أن أكون واضحا جليا، و أن أقولَ للناس ما أريدُ أن أقول دون أن أضطرّهم إلى أن يتأولوا و يتحمّلوا و يذهبوا مذاهب مختلفة في النقد و التفسير و الكشفِ عن الأغراض التي أرمي إليها . أريدُ أن أُريحَ الناسَ من هذا اللون من ألوان التعب، و أن أريحَ نفسي من الرد و الدفع و المناقشة فيما لا يحتاج إلى مناقشة. أريد أن أقول إني سأسلك في هذا النحو من البحث مسلك المحدثين من أصحاب العلم و الفلسفة فيما يتناولون من العلم و الفلسفة. أريد أن أصطنِعَ في هذا الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدَثَه "ديكارت"[/b] للبحثِ عن حقائق الأشياء في أول هذا العصر الحديث، و الناس جميعا يعلمون أن القاعدة الأساسية لهذا المنهج هي أن يتجرّد الباحثُ من كل شيء كان يعلمه من قبل، و أن يستقبِلَ موضوعَ بحثِه خاليَ الذهن مما قيل خلواً تاماً. و الناسُ جميعا يعلمون أنّ هذا المنهج الذي سخط عليه أنصارُ القديم في الدين و الفلسفة يوم ظهر، قد كان من أخصب المناهج و أقواها و أحسنِها أثَرا، و أنه قد جدّد العلمَ و الفلسفة تجديدا، و أنه قد غيّر مذاهبَ الأدباء في أدبهم و الفنانين في فنونهم، و أنه هو الطابع الذي يمتاز به هذا العصر الحديث. فلنصطنِعْ هذا المنهج حين نريد أن نتناولَ أدبنا العربي القديم و تاريخه بالبحث و الاستقصاء ، و لنستقبل هذا الأدب و تاريخه و قد برّأنا أنفسنا من كل ما قيل فيهما من قبل، و خلصنا من كل هذه الأغلال الكثير الثقيلة التي تأخذ أيدينا و أرجلنا و رؤسنا فتحُول بيننا و بين الحركة الجسمية الحرة، و تحول بيننا و بين الحركة العقلية الحرة أيضا. نعم! يجب حين نستقبل البحث عن الأدب العربي و تاريخه أن ننسى عواطفَنا القومية و كل مشخصاتها، و أن ننسى عواطفنا الدينية و كل ما يتصل بها ، و أن ننسى ما يضاد هذه العواطف القومية و الدينية، يجب ألا نتقيّدَ بشيء و لا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح. ذلك أنا إذا لم ننس هذه العواطف و ما يتصل بها فسنضطر على المحاباة و إرضاء العواطف، و سنغلّ عقولَنا بما يلائمها. و هل فعل القدماء غير هذا؟ و هل أفسدَ علمَ القدماء شيءٌ غير هذا؟ ... و لو أن القدماء استطاعوا أن يفرقوا بين عقولهم و قلوبهم ، و أن يتناولوا العلمَ على نحو ما تناوله المحدثون لا يتأثرون في ذلك بقومية و لا عصبية و لا ما يتصل بهذا كله من الأهواء ، لتركوا لنا أدبا غير الأدب الذي نجده بين أيدينا ، و لأراحونا من هذا العناء الذي نتكلفه الآن. ...فأنت ترى أن "منهج" ديكارت هذا ليس خصبا في العلم و الفلسفة و الأدب فحسب، و إنما هو خصب في الأخلاق و الحياة الاجتماعية أيضا. و أنت ترى أنّ الأخذَ بهذا المنهج ليس حتماً على الذين يدرسون العلم و يكتبون فيه وحدهم، بل هو حتم على الذين يقرأون أيضا. و أنت ترى أني غير مسرف حين أطلب منذ الآن إلى الذين لا يستطيعون أن يبرأوا من القديم و يخلصوا من أغلال العواطف و الأهواء حين يقرأون العلمَ أو يكتبون فيه ألا يقرأوا هذه الفصول، فلن تفيدهم قراءتها إلا أن يكونوا أحرارا حقا".(3)
يُتبع ان شاء الله --------------- (1)من رسالة في الطريق إلى ثقافتنا : باب:كلام في "المنهج" و ما "قبل المنهج" ما هو ؟ (2) قلتُ ذلك في كتاب "أباطيل و أسمار"، ص23-25، بل الفصل كله، بل الكتاب كله، مشتمل على بيان لما يُسمّى "منهجاً"، و متّصلٌ بما أقوله هنا اتّصالا لا انفكاك له، فإن كنتَ جاداً في طلب المعرفة فاقرأه، لأني هنا موجز أشدّ الإيجاز. (3) " في الأدب الجاهلي": فصل/ "منهج البحث" لطه حسين
| |
|