الاقتباس ليس ظاهرة جديدة في الدراما العربية، فبعد غزو الدبلجة لشاشاتنا لفترة من الزمن، ها هو التعريب يغزو النصوص ويبعدها عن واقعنا لدرجة يلغي معها مقولة «الدراما مرآة المجتمع»، ما يجيز طرح السؤال حول مدى نجاح الدراما العربية في مهمة يصفها الكتّاب «بالصعبة»؟ في هذا التحقيق إضاءة على بعض الأعمال المقتبسة، وخاصة في الدراما اللبنانية، وآراء كتابها في أعمالهم.بداية ومن خلال نظرة سريعة إلى الدراما المصرية نجد أن المؤسسين الأوائل لها أمثال أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبد الرحمن وغيرهما، أتوا من خلفية سياسية وكتبوا الواقع المصري آنذاك، واستظل الجيل المصري الجديد بهم وبقيت الدراما المصرية تحكي لغة الناس والشارع ونجحت في ذلك.كذلك حال الدراما السورية التي نجحت في خوض تفاصيل الحياة الشامية وجعلت المشاهد العربي يتعرف إلى عادات هذا المجتمع وتقاليده ولهجته أيضاً، حتى إن مسلسل «باب الحارة» الذي عرض بأجزائه المختلفة منذ عشر سنوات ما زال يخوض المنافسة بين مجمل الأعمال الرمضانية التي ينتظرها المشاهد (وصل عدد حلقاته إلى السبعين خلال رمضان هذا العام) نظراً لواقعيته وملامسته قضايا الناس، والأعمال الأخيرة سجلت التماساً للواقع السوري المعاصر من خلال جملة من المسلسلات مثل «غداً نلتقي» و«صرخة روح» وغيرها من الأعمال.في لبنان الأمور مختلفة رغم وجود كتّاب لهم وزنهم وثقلهم في الكتابة والسيناريو إلاّ أنهم حققوا شهرتهم من خلال الدراما المختلطة، وتمّت الاستعانة بأقلامهم في الأعمال العربية المقتبسة عن نصوص غربية، فكشفوا عن فشل في نقل الواقع اللبناني بسلبياته وإيجابياته. يؤكد ذلك مسلسل «لو» من بطولة عابد فهد ونادين نسيب نجيم ويوسف الخال المقتبس عن فيلم «الخائنة» لريتشارد غير وديان لين، وتولت كتابته بالعربية نادين جابر، فيما وضع السيناريو والحوار بلال شحادات وأخرجه سامر البرقاوي.نادين جابر وهي كاتبة لبنانية برعت في تحويل الورق إلى حقائق، اعتبرت أن كتابة العمل من قبل اثنين «لتكون النتيجة أفضل خاصة أنه مقتبس من قصة أجنبية ومن فيلم مدته ساعة ونصف الساعة، ونحن نفذناه على مدى ثلاثين ساعة وأدخلنا فيه خطوطاً لبنانية وسورية ومصرية، وأشكر الله أن المسلسل نجح والناس أحبته وخاض غمار المنافسة الرمضانية بقوة».كلوديا مرشليان كاتبة مسلسل «اتهام» الذي يعالج قضية الدعارة والمقتبس عن «مدام كارمن» وكاتبة السيناريو، لفتت إلى أنها استوحت الفكرة من برنامج «سيرة وانفتحت» الذي يقدمه المذيع زافين قيومجيان، وطرح قصة فتاة مغربية تعيش في منطقة فقيرة ظنت أن الحظ يبتسم لها حين وجدت عملاً في بلد آخر، ثم اكتشفت أنها وقعت في فخ عصابة تعمل في الدعارة «وهذه قضية إنسانية عالجتها في ثلاثين حلقة، ولم أقتبسها» كما تقول.مسلسل «روبي» المأخوذ عن قصة مكسيكية نفذتها الكاتبة يولندا فركاس كمسلسل تمت دبلجته إلى العربية، فقد جعلته الكاتبة كلوديا مرشليان بناءً لطلب من قناة «إم بي سي»، عربياً ولعبت بطولته سيرين عبد النور مع مكسيم خليل وأمير كرارة، وعنه قالت مرشليان: لن أقول إنه مقتبس أو معرب فقد حافظت من خلال البناء الدرامي على الخطوط العريضة للحبكة الأصلية، لكنني جعلته عربياً وكان الأمر أصعب من الكتابة الحرة لأنني مقيدة بهيكلية البناء الأساسي، وملتزمة بشخصية «روبي» التي قدمتها سيرين عبد النور من دون التزامي بكافة التفاصيل، لأنه لابُدّ من التغيير، نجح العمل لأنني تصرفت بالنص المكسيكي وعدّلت فيه بما يتلاءم مع مجتمعنا وجعلت النهاية غير متوقعة، وأتلمس ظاهرة الاقتباس في كل العالم حتى الدراما التركية التي نقرّ بأنها الأهم أخذت مسلسل «desperate house wives» وحوّلته إلى «نساء حائرات».الكاتبة ريم حنا خاضت تجربة الاقتباس من خلال «ذاكرة الجسد» المأخوذ عن رواية أحلام مستغانمي، إضافة إلى «لعبة الموت» المقتبس عن «النوم مع العدو» «sleeping with the ennemy» للكاتبة نانسي برايس من بطولة سيرين عبد النور وعابد فهد وماجد المصري، إضافة إلى «24 قيراط» الذي أدّاه عابد فهد وماغي بوغصن وسيرين عبد النور، وهو مقتبس عن الأعمال البوليوودية والهوليوودية وفق ما صرّحت شركته المنتجة خلال الإعلان عنه، لكن المتابع يعرف أنه مقتبس عن مسرحية «مسافر من دون متاع» للكاتب الفرنسي جان أنوي.ريم حنا أكدت أن «الاقتباس ليس سهلاً وهو أصعب من التأليف، وليس عيباً فأغلب السينما الأمريكية مقتبسة وناجحة ومنها «التيتانيك». أما القصة التي يطرحها «24 قيراط» فهي جديدة وعميقة وتعطي كل شخصية حقها ودورها الصحيح، والعمل من تأليفي لكن المرجعيات تكون في العادة واحدة عند الذين يتناولون مسألة فقدان الذاكرة والتعامل مع الماضي، من هنا يحدث التشابه».أشار جمال سنان منتج «24 قيراط» إلى أن شركته وضعت كل الإمكانات اللازمة لإنتاج عمل ناجح وهو شكّل علامة فارقة بين المسلسلات الرمضانية، بحسب رأيه، مضيفاً: «أولاً وأخيراً كلنا يعي أن الحكم للجمهور وليس للمنتج».ولأن دائرة الأعمال المقتبسة واسعة وتكاد لا تنتهي والكل لا يجد فيها عيباً بل هي نوع فني قائم بذاته، فقد كان «العرّاب نادي الشرق» و«العرّاب»، مستمدان من «العراب» الشهير لفرنسيس فورد كوبولا 1972، و«عراب» المثنى صبح كتبه حازم سليمان، أما «عراب نادي الشرق» لحاتم علي فكتبه رافي وهبي وهما يرتكزان على فيلم كوبولا وقبله رواية ماريو بوزو التي تحمل العنوان ذاته. ويبدو أن حاتم علي أخذ التعريب إلى مواطن محلي وأظهر سلطة أبو عليا زعيم عائلة آل منذر، وهي الشخصية المرادفة لفيتو كورليوني، وحاول إيجاد الإسقاطات الملائمة على الوضع السياسي القائم في سوريا، وساعده على نقل الصورة الحرفية العالية التي يتمتع بها جمال سليمان، أما عرّاب صبح الذي اختار «مختار المختار» وأدّاه سلوم حداد فلم يوفق في اختيار الابن عاصي الحلاني الذي لم يستطع تقديم كاريزما «دون كورليوني». جمال سليمان أوضح: «العراب» مقتبس من قصة عالمية لكنه يفترق عنها بلحظة معينة ليتناول تفاصيل المجتمع السوري بامتياز، ويحكي عن الصراع بين فساد وفساد تحت رعاية ما يسمى بالحرس القديم، القصة تم تجسيدها عشرات المرات بأفلام ومسلسلات لم تحمل اسمها ومصدرها، لكن في مسلسلنا أشرنا إلى ذلك ولو لم نفصل لما انتبه كثيرون.واعتبرت الممثلة دارين حمزة أن «مسلسل» العرّاب نادي الشرق «مقتبس عن قصة عالمية وقديمة لكنها ما زالت تتماشى مع الوضع الحالي، ولمن يقول إن الكاتب أخذ مقاطع جاهزة من الفيلم لصوغها في سيناريو المسلسل أقول إنه يمكن حدوث ذلك عندما يؤخذ العمل تحت ذات العنوان ولكن الكاتب ابتعد عن النص الأساسي كلياً، وأسعدتني المشاركة في هذا العمل، وأعتبر أن «العراب نادي الشرق» نجح بامتياز، ولو أجريت مقارنة بينه وبين«العراب» وهما مقتبسان عن العمل نفسه، أقول إن اختيار الشخصيات لدى صبح وهو محترف وصديق لم يكن موفقاً، وما زلت لا أفهم دخول المطربين ونجوم الطرب على خط التمثيل».عاصي الحلاني اعتبر أن مشاركته في «العراب» «جاءت بعد وقفات عدة كممثل على المسرح، والمخرج القدير المثنى صبح قادر على استحضار الممثل بداخلي، وسعيد بهذه التجربة الناجحة لكنني لا أُقارن بينها وبين الفيلم الأساس الذي أدّاه مارلون براندو وآل باتشينو، هناك اختلافات كثيرة في المعطيات».وفيما يتعلق بمسلسل «تشيللو» لنادين نجيم ويوسف الخال وتيم حسن، الذي أخرجه سامر البرقاوي وكتبه نجيب نصير، فهو مقتبس عن «عرض غير لائق» Indescent proposal للمخرج أدريان لين ولعبه روبرت ريدفور وديمي مور وودي هارلسن. وقيل إن نصير اقتبس بعض مقاطعه التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي من فيلم «الرجل ذو النعل الذهبي» للمخرج عمر أميرالاي، نصير أوضح أن «العمل مأخوذ عن رواية للكاتب الفرنسي جاك إنفلهارد وهي عالمية، واقتبست الخطوط العريضة للعمل منها لكنني خضت التفاصيل بما يتلاءم مع أفكارنا في المجتمعات الشرقية، ونجحت في ذلك».اعتبرت المخرجة والممثلة سارة قصير أن «الممثلين أجادوا في أداء أدوارهم لكن القصة مكررة ولم تقدم أي جديد إلى المشاهد، كما أنها لم تساهم في إغناء الدراما الرمضانية، لا أتحدث عن «تشيللو» وحيداً عالقاً في أزمة التكرار، بل يشاركه «24 قيراط» في العلك والتكرار والاقتباس وسرقة الأعمال التي لا تتماهى معنا، كذلك حال «العراب» الذي لم يحظ بنسبة مشاهدة عالية جراء وقوعه في الأخطاء».يوافقها الرأي روميو الورشا وهو مخرج وممثل وكوريغراف فيقول: بدءاً من «لو» و«سيرة حب» و«العرّاف» لعادل إمام المستوحى من «امسكني لو استطعت»، و«سنعود بعد قليل» لدريد لحام المستوحى من «الجميع بخير»، و«السيدة الأولى» لغادة عبد الرازق المأخوذ عن «تيلي نوفيلا»، و«تشيللو» و«العراب» وغيرها، كلها بعيدة عنّا ولا تحاكينا وتتكرر قصتها من عام إلى عام مع تغيّر في الوجوه والأبطال، وهذا الأمر يمكن الإفلات منه عندما تستقدم شركات الإنتاج كتّاباً ومؤلفين وتشترط عليهم خوض موضوعات جديدة واقعية وصوغها في قالب درامي عربي يجذب المشاهدين المتلهفين لهذا النوع من الدراما.واعتبر الكاتب طوني شمعون أن «الاقتباس ظاهرة منتشرة وهي ليست عيباً». ويشترط «إذا كنت تريد الاقتباس فتجاوز العمل لما هو أفضل منه».
http://aladalanews.net/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%A9/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D9%88-%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AA%D8%A8%D8%B3%D8%A9-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D8%A8%D8%B1-%D8%B9%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9%D9%87/