لقد وضع نبيُّينا الكريم نهجاً مباركاً للصائمين، ما هذا النهج النبوي الذي نسير على هديه؟ يبدأ الإنسان صيامه بطعام السحور، والسُّنَّةُ فيه أن يكون قبل الفجر بوقت قصير،
فقد كان صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: { لا تَزَالُ أُمَّتِي بخيرٍ ما عَجَّلُوا الإفْطَارَ وأَخَّرُوا السُّحورَ}(1)،
فنؤخر السحور ولا نتركه ولو على جرعة ماء، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: { تَسَحَّرُوا، فإِنَّ في السَّحُورِ بَرَكةً }(2) وكان يقول لأصحابه: { هَلُمُّوا إِلَى الغِذَاءِ الْمُبَارَكِ }(3)
والسُّنة أن يتسحر الإنسان قبل الفجر بنصف ساعة أو بثلث ساعة، ثم يأتي لصلاة الفجر ليأخذ أجر هذه الصلاة العظيمة من الله عزَّ وجلَّ، فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: { مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْماً صَلاَةَ الْفَجْرِ وَعِشَاءَ الآخِرَةِ فِي جَمَاعَةٍ، أَعْطَاهُ اللَّهُ بَرَاءَتَيْنِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةً مِنَ النفَاقِ}(4)
ومن هنا أنصح إخواني بأن يديموا على صلاة الفجر في رمضان، فإذا كانت ليلة العيد أخذوا حذرهم أن يحرمهم الشيطان من صلاة الفجر في جماعة في تلك الليلة حتى لا يكتمل العدد أربعين فيأخذون شهادة من ربِّ العالمين بالبراءة من النار والبراءة من النفاق. فعلى من يقوم لصلاة الفجر الآن أن يواظب على الأقل ليلة العيد وعشر ليال بعدها ليأخذ هذه البراءة العظيمة من النار ومن النفاق؛ براءة من الله عزَّ وجلَّ.
وفي أيام شهر رمضان؛ علينا في هذه الأيام بالهدي النبوي الذي يقول فيه صلَّى الله عليه وسلَّم: { إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْماً صَائِماً، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ .. إِنِّي صَائِمٌ }(5)
والرفث هو الكلام المتعلق بالنساء، أو الكلام في شأن الجماع أو مداعبة النساء، وهذا محرَّم على المسلم في نهار رمضان طوال هذا الشهر الكريم، فلا يجب أن يتكلم مع رفاقه في شأن النساء أو عن النساء، ولا يجب في نهار رمضان أن يتكلم مع زوجته بكلام في شأن الجماع أو يقترب منها مداعباً حتى لا يقع في مشقة وعنت فالله عزَّ وجلَّ يطلب من المسلم أن يحفظ صيامه بحفظ جوارحه في هذا الشهر الكريم، ولا يصخب، والصخب هو رفع الصوت في جدال أو في خصومة أو في حديث، فإذا تكلمنا في نهار رمضان فمن أدب الحديث في نهار رمضان أن لا يرفع أحدنا صوته سواءً كان يتكلم مع أخيه، أو يجادله في أمر، أو يتناوش معه في مشكلة
فإذا وصل الأمر إلى درجة الغضب فعليه أن يذكِّر نفسه ويذكِّر أخاه ويقول: (اللهم إني صائم)، يذكر نفسه بأنه صائم حتى لا يزيد في الغضب فيفعل ما حرَّمه الله عزَّ وجلَّ، ويذكر الذي يجادله أو يحاججه حتى يرجع عن سخطه وعن رفع صوته، فيتأدب بآداب الله التي سنَّها لنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في شهر رمضان.
أما رفع الصوت بالسبِّ أو الشتم و اللعن فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: {لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ ولاَ اللَّعَّانِ ولا الفَاحِشِ ولا البَذِيِّ }(6)
وحذرنا في حديث آخر فقال: { إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا }(7)
فإذا قلت لأخيك ولو على سبيل المزاح أو المداعبة يا كافر أو يا نصراني أو يا يهودي صعدت إلى السماء فتغلق أمامها أبواب السماء فترجع إلى الذي قلتها فيه فإن كان كافراً كما ذكرت نزلت عليه وإلا رجعت عليك ولا ترجع إلى الإسلام إلا بعد التوبة، توبة جديدة وتشهد جديد واستحضار جديد لله عزَّ وجلّ
وكذا إذا قلت له يا نصراني أو يا يهودي ذهبت إلى السماء فتغلق أمامها الأبواب فترجع على صاحبها فإذا كان في الحقيقة نصرانياً أو يهودياً نزلت عليه وإذا كان مسلماً كما نحن معشر المسلمين يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله رجعت على الذي قالها، ولذا قال صلَّى الله عليه وسلَّم: { مَنْ قَالَ لأَخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، وَمَنْ رَمَى رَجُلاً بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلا حَارَ عَلَيْهِ }(
فقول المسلم لأخيه: ياكافر، أو يا يهودي، أو يا نصراني، يخرج من دينه ولا يرجع إليه إلا وقد سلب منه شئ لا يعود إليه أبداً إلى يوم القيامة، يعني: لا يرجع إيمانه الصحيح الذي كان عليه قبل أن يقول هذه الكلمة أو يتفوه بها، لأنه تكلَّم بكلمة عظيمة، نهى عنها الله وحذرنا منها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.